فولدت منه إسحاق، وولد منه يعقوب، ولعل تخصيصهما بالذكر؛ لأنهما شجرتا الأنبياء، أو لأن إسحاق أتاه على الكبر، أو؛ لأنه أراد أن يذكر إسماعيل بفضله على الانفراد. هذا؛ وقد ذكرت لك في الآية رقم [٧١] من سورة (هود) عليه السّلام: أنه قد عاش إبراهيم، وسارة حتى رأيا يعقوب، فقرت عيناهما بالحفيد، كما قرتا بالوليد. {وَكُلاًّ} أي: من إسحاق، ويعقوب.
{جَعَلْنا نَبِيًّا:} والمعنى: حين اعتزل إبراهيم أهل الكفر، والفسوق، والعصيان رزقه الله أولادا أنبياء مؤمنين. وفي الآية دليل واضح على أنّ الولد الصالح هبة، ومنحة من الله للوالدين، فلم يقل سبحانه وتعالى: أعطينا، ورزقنا... إلخ، وإنما قال {وَهَبْنا} قال الشاعر الحكيم: [الكامل]
نعم الإله على العباد كثيرة... وأجلهنّ نجابة الأولاد
الإعراب:{فَلَمَّا:} الفاء: حرف استئناف. (لمّا): انظر الآية رقم [٦٢] من سورة (الكهف).
{اِعْتَزَلَهُمْ:} ماض، والفاعل يعود إلى إبراهيم والهاء مفعول به، والجملة الفعلية لا محل لها على اعتبار (لمّا) حرفا، وفي محل جر بالإضافة (لمّا) إليها على اعتبارها ظرفا. {وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} انظر إعرابه في الآية السابقة. {وَهَبْنا:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية جواب (لمّا) لا محل لها، و (لمّا) ومدخولها كلام مستأنف، لا محل له. {اللهِ:} متعلقان بما قبلهما.
{إِسْحاقَ:} مفعول به. {وَيَعْقُوبَ:} معطوف عليه. {وَكُلاًّ:} الواو: حرف عطف. {(كُلاًّ):}
مفعول به أول تقدم على عامله. {جَعَلْنا:} فعل، وفاعل. {نَبِيًّا:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية معطوفة على جواب (لمّا) لا محل لها مثله، واعتبارها حالا من {إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ} جيد، ويكون الرابط: الواو، والضمير الواجب ذكره بعد (كلاّ)، أو هي حال من (نا) والرابط: الواو، والضمير أيضا، ويجب تقدير «قد» قبلها على الاعتبارين. تأمل، وتدبر.
الشرح:{وَوَهَبْنا لَهُمْ} أي: لإبراهيم، ولذريته على نبينا وعليهم جميعا ألف ألف صلاة، وألف ألف سلام. {مِنْ رَحْمَتِنا:} من فضلنا، وإنعامنا عليهم، ووهبنا لهم النبوة، والأموال الوفيرة، والأولاد الكثيرة. {وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} أي: ذكرا حسنا رفيعا في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة؛ حتى ادعاهم أهل الأديان كلهم، فهم يتولونهم، ويقدسونهم ويعظمونهم استجابة لدعوة إبراهيم حيث قال:{وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} والمراد: باللسان: الثناء الذي يكون عليهم به، ولسان العرب لغتهم، وإضافته إلى الصدق، ووصفه بالعلو للدلالة على أنهم أحقاء بما يثنون عليهم، وأن محامدهم لا تخفى على تباعد الأعصار، وتحول الدول، وتبدل الملل، ونحن المسلمين نقدسهم، ونجلهم، ونصلي عليهم في كل صلاة نصليها لله الواحد القهار؛ حيث نقول: اللهمّ صلّ على سيدنا محمد وعلى آل سيّدنا محمد كما صلّيت على سيدنا