للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

({ما}) مجرور لفظا، منصوب محلاّ، وفاعله مستتر فيه: {مِنَ النّارِ:} متعلقان ب‍: (خارجين) والجملة الاسمية: {وَما هُمْ...}. إلخ في محل نصب حال من الضّمير الواقع مفعولا به، والرابط:

الواو، والضمير.

{يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٦٨)}

الشرح: لمّا بيّن الله تعالى: أنّه لا إله إلا هو، وأنّه المستقلّ بالخلق؛ شرع يبيّن: أنه الرزّاق لجميع خلقه، مؤمنهم، وكافرهم، وصالحهم، وفاسدهم، فذكر في معرض الامتنان: أنّه أباح لهم أن يأكلوا مما في الأرض في حال كونه حلالا مستطابا في نفسه، غير ضارّ للأبدان، ولا للعقول، ونهاهم عن اتّباع خطوات الشّيطان الرّجيم.

نزلت الآية الكريمة في بني ثقيف، وخزاعة، وعامر بن صعصعة، وبني مدلج فيما حرّموا على أنفسهم من الحرث، والأنعام، والبحيرة، والسّائبة، والوصيلة، والحام. انظر الآية رقم [٣] من سورة (المائدة)، والآية رقم [١٣٦] من سورة (الأنعام) وما بعدها، لترى أعمال أهل الجاهلية. وعن عياض بن حماد-رضي الله عنه-عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «يقول الله تعالى: إنّ كلّ مال منحته عبادي فهو لهم حلال» وفيه: «وإنّي خلقت عبادي ضعفاء، فجاءتهم الشّياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم». رواه مسلم، ومعنى اجتالتهم: صرفتهم عن الهدى إلى الضلالة.

هذا؛ والحلال: المباح الذي أحلّه الشرع، وانحلّت عقدة الخطر عنه، وأصله من الحل الذي هو نقيض العقد. والطّيب: ما يستلذّه المسلم، والمسلم لا يستطيب إلا الحلال، ويعاف الحرام. هذا؛ والأمر للإباحة، لا للوجوب، و (من) دالة على التبعيض؛ إذ لا يؤكل كل ما في الأرض، والطّيب: ما يستطيبه الشّرع، وتقبله الفطرة السّليمة، والخليقة المستقيمة، وخذ ما يلي:

فعن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-قال: تليت هذه الآية عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {يا أَيُّهَا النّاسُ..}. إلخ فقام سعد بن أبي وقاص-رضي الله عنه-فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني مستجاب الدّعوة، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا سعد أطب مطعمك؛ تكن مستجاب الدّعوة، والّذي نفس محمّد بيده! إنّ العبد ليقذف اللّقمة الحرام في جوفه ما يتقبّل منه عمل أربعين يوما، وأيّما عبد نبت لحمه من سحت؛ فالنّار أولى به». رواه الطبراني في الصغير. {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ:} خطواته: زخارفه، ووساوسه، وأحابيله، وتزيينه تحليل الحرام، وتحريم الحلال.

والمعنى: لا تسلكوا سبيله، ولا تأتمّوا به، ولا تقفوا آثاره.

قال قتادة، والسّديّ: كلّ معصية لله فهي من خطوات الشّيطان، وقال مسروق-رحمه الله تعالى-أتي عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-بضرع، وبلح، فجعل يأكل، فاعتزل رجل من

<<  <  ج: ص:  >  >>