الشرح:{إِنَّهُمْ} أي: أهل مكة. {أَلْفَوْا:} وجدوا. {آباءَهُمْ:} في الضلال فاقتدوا بهم، وساروا على نهجهم. وهو ما حكاه الله عنهم بقوله:{وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا}. الآية رقم [١٧٠] من سورة (البقرة). ومثلها في سورة (لقمان) رقم [٢١]. هذا؛ و «ضلّ»: بمعنى: كفر، وأشرك. وهو المراد في هذه الآية وهو ضد: اهتدى، واستقام، ومصدره الضلال، ويأتي:«ضلّ» بمعنى: غاب، كما في قوله تعالى:{وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ،} ويأتي بمعنى: خفي، يخفى، وغاب يغيب أيضا. قال تعالى في سورة (طه) حكاية عن قول موسى لفرعون: {قالَ عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى} رقم [٥٢]. و {ضَلَّ} الشيء: ضاع، وهلك. و «ضلّ» أخطأ في رأيه، ولولا هذا المعنى؛ لكفر أولاد يعقوب لقولهم في حضرته:{تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ}. وقولهم في غيبته:{إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}. و «ضلّ»: تحير، وهو أقرب ما يفسر به قوله تعالى لحبيبه محمد صلّى الله عليه وسلّم في سورة (الضحى): {وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى}. هذا؛ وأضلّ، يضل غيره من الرباعي، ومصدره: الإضلال، فهو متعد، والثلاثي لازم. هذا؛ والضلال:
الخروج عن جادة الحق، والانحراف عن الصراط المستقيم. وينبغي أن تعلم: أن طريق الهدى واحدة، لا اعوجاج فيها، ولا التواء، وأما الضلال؛ فطرقه كثيرة، ومتشعبة، قال تعالى في سورة (يونس) على نبينا، وحبيبنا وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ}. الآية رقم [٣٢] وقال الشاعر الحكيم: [البسيط]
الطّرق شتّى وطرق الحقّ مفردة... والسّالكون طريق الحقّ أفراد
لا يعرفون ولا تدرى مقاصدهم... فهم على مهل يمشون قصّاد
والناس في غفلة عمّا يراد بهم... فجلّهم عن سبيل الحقّ رقّاد
{فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ} أي: فهم يسرعون في اتباع خطاهم من غير دليل، ولا برهان، قال مجاهد: شبهه بالهرولة كمن يسرع إسراعا نحو الشيء، والإهراع: الإسراع برعدة. قاله الفراء. هذا؛ وقيل: هذا الفعل ملازم للبناء للمفعول، مثل: أولع، يولع، والصواب: أنه يأتي بصيغة المبني للفاعل، وبه قرأ جماعة في الآية رقم [٧٨] من سورة (هود) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. ويكون من الباب الثالث، مثل: فتح، يفتح، ولكن الأول أكثر، وأشهر، قال مهلهل:[الوافر]