والأعمال السّيّئة ليست بدرجة واحدة من الضرّ، والقبح. هذا والغالب استعمال الدّرجات في العرف لأهل الثواب، واستعمال الدّركات لأهل النّار، والعقاب. قال تعالى:{إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النّارِ}. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{هُمْ دَرَجاتٌ:} مبتدأ، وخبر، والجملة الاسمية مستأنفة لا محل لها. {عِنْدَ} ظرف مكان متعلق بمحذوف صفة: {دَرَجاتٌ}. و {عِنْدَ} مضاف، و {اللهِ} مضاف إليه. {وَاللهُ بَصِيرٌ..}. إلخ: انظر إعراب مثلها في الآية رقم [١٥٣].
الشرح:{لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ:} أحسن إليهم، وتفضل عليهم، والمنّة: النعمة العظيمة، وذلك في الحقيقة لا يكون إلا من الله؛ لأنه المالك للنّعمة حقيقة، وغيره من المخلوقين لا يملكها حقيقة، وإنّما هي وكالة يقوم بها إن أحسن الوكالة. {إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ} يعني: من جنسهم عربيّا مثلهم، ولد ببلدهم، ونشأ بينهم، يعرفون نسبه، وليس حيّ من أحياء العرب، إلا له فيهم نسب، إلا بني تغلب، فإنهم كانوا نصارى، وقد ثبتوا على النصرانية، فطهّر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم من أن يكون له فيهم نسب، وقرئ شاذّا:(«من أنفسهم») بفتح الفاء. يعني:
من أشرفهم؛ لأنه من بني هاشم، وبنو هاشم أفضل من قريش، وقريش أفضل من سائر العرب، والعرب أفضل من غيرهم. وقيل: أراد بالمؤمنين: جميع المؤمنين، ومعنى:{مِنْ أَنْفُسِهِمْ:} أنه واحد منهم، وبشر مثلهم، وإنما امتاز عنهم بالوحي، والرّسالة. وهو معنى قوله تعالى في آخر سورة (التوبة): {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ..}. إلخ وقوله تعالى في سورة (الجمعة):
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ..}. إلخ. وخص المؤمنين بالمنّة، والذكر؛ لأنهم المنتفعون به، والمهتدون بهديه، فالمنة عليهم أعظم.
{يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ:} يقرأ عليهم كتابه الذي أنزل عليه بعد أن كانوا أهل جاهلية لم يطرق أسماعهم شيء من الوحي السّماوي. {وَيُزَكِّيهِمْ:} ويطهّرهم من دنس الكفر، ونجاسة المحرمات، والخبائث، وسوء الأخلاق، والطّباع. {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ} أي: القرآن، وهو آيات الله المذكورة، فعلى هذا؛ فهو بالنسبة لما قبله من اختلاف اللفظ، واتحاد المعنى. {وَالْحِكْمَةَ:} انظر الآية رقم [٤٨]. {وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ} أي: قبل بعثة محمد صلّى الله عليه وسلّم. {لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ:} لفي جهالة، وحيرة عن الهدى عميا صمّا، لا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكرا، فهداهم الله بنبيه صلّى الله عليه وسلّم.
هذا؛ و «ضلّ» أكثر ما يستعمل بمعنى: كفر، وأشرك، وهو ضدّ: اهتدى، واستقام.
ومصدره: الضّلال كما في هذه الآية، ويأتي ضل بمعنى: غاب، كما في قوله تعالى:{وَضَلَّ}