للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متعلقان بما قبلهما، أو هما متعلقان بمحذوف حال مما بعدهما، كان صفة له، فلما قدم عليه؛ صار حالا. وبعضهم يعتبرهما مفعولا ثانيا تقدم على الأول. {مُلْتَحَداً:} مفعول به، والجملة الفعلية: (لن أجد...) إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول مثلها.

{إِلاّ بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (٢٣)}

الشرح: {إِلاّ بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ} أي: لا أجد ملجأ، وملاذا إلا إذا بلغت رسالة ربي، ونصحتكم، وأرشدتكم كما أمرني الله، فحينئذ يجيرني ربي من العذاب. فهو كقوله تعالى في سورة (المائدة) رقم [٦٧]: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ}

قال ابن كثير: أي: لا يجيرني من الله، ويخلصني منه إلا إبلاغي الرسالة، التي أوجب أداءها عليّ. انتهى. أي: فإن فيما ذكر الأمان، والنجاة من غضب الله، وسخطه.

{وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ:} يخالف أوامرهما، ونواهيهما فيما يأمران به، وينهيان عنه، {فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ،} فيه دليل على أن المراد بالعصيان: الشرك؛ لأن المؤمن لا يخلد في النار.

وقيل: هو المعاصي غير الشرك، ويكون الخلود والأبد كناية عن طول المكث في نار جهنم. أو يكون المعنى: إلا أن أعفو عنهم، أو تلحقهم شفاعة، ولا محالة إذا خرجوا من الدنيا على الإيمان لا يخالدون. هذا؛ والأبد: الزمان الطويل الذي ليس له حد، فإذا قلت: لا أكلمك أبدا، فالأبد من وقت التكلم إلى آخر العمر.

الإعراب: {إِلاّ:} أداة استثناء. {بَلاغاً:} مستثنى من مفعولي: أملك، وهما {ضَرًّا} و {رَشَداً} بعد تأويلهما ب‍: شيئا، كأنه قال: لا أملك لكم شيئا إلا بلاغا، فهو استثناء متصل.

هكذا قرر في بعض حواشي البيضاوي، وعبارة السمين قوله إلا بلاغا فيه أوجه: أحدها: أنه استثناء منقطع؛ لأن البلاغ من الله لا يكون داخلا تحت قوله: {وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً؛} لأنه لا يكون من دون الله، بل يكون من الله، وبإعانته، وتوفيقه. الثاني: أنه متصل، والمعنى لن أجد سببا إليه، وأعتصم به إلا أن أبلغ، وأطيع، فيجيرني، وإذا كان متصلا؛ جاز نصبه من وجهين:

أحدهما (وهو الأرجح): أن يكون بدلا من {مُلْتَحَداً؛} لأن الكلام غير موجب. والثاني: أنه منصوب على الاستثناء. وإلى البدلية ذهب أبو إسحاق. الثالث: أنه مستثنى من قوله: {لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا}. انتهى. جمل، أقول: وعلى القول بالبدلية من {مُلْتَحَداً،} فلا اعتراض، وعلى القول بالبدلية من مفعول {أَمْلِكُ} فالآية السابقة معترضة بين البدل، والمبدل منه، وبه قال الزمخشري.

هذا؛ وقيل: {بَلاغاً} مفعول مطلق فعله محذوف، و {إِلاّ} أصله: (إن لاّ) ف‍: (إن) حرف شرط جازم، و (لا) نافية بمعنى: «لم»، والمعنى: لن أجد من دونه ملتحدا؛ إن لم أبلغ رسالات

<<  <  ج: ص:  >  >>