{الْقَوْمُ}: فاعل. {الْكافِرُونَ}: صفة القوم مرفوع، وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وجملة:{لا يَيْأَسُ..}. إلخ في محل رفع خبر (إن) والجملة الاسمية: {إِنَّهُ..}. إلخ تعليل للأمر لا محل لها، والآية بكاملها من قول يعقوب على نبينا، وعليه أفضل صلاة، وأزكى سلام.
الشرح:{فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ}: على يوسف، وفي الكلام اختصار وحذف؛ إذ أصل الكلام:
فخرجوا من عند أبيهم قاصدين مصر، فلما دخلوا عليه. {قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ} أي: القادر الممتنع، وهو لقب الوزير كما رأيت سابقا، وقيل: هو لقب ملك مصر، وليس بشيء، انظر الآية رقم [٣٠]{مَسَّنا}: أصابنا. {وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} أي: الجوع والحاجة، والشدة، وأرادوا بأهلهم من خلفهم ومن وراءهم من العيال، وفي هذا دليل على جواز الشكوى عند الضر، بل واجب على الإنسان أن يشكو ما به من الفقر وغيره إذا خاف على نفسه الضرر إلى من يرجو منه النفع، كما هو واجب عليه أن يشكو ما به من الألم إلى الطبيب ليعالجه، ولا يكون ذلك قدحا في التوكل، وهذا ما لم يكن التشكي على سبيل التسخط، والصبر والتجلد في النوائب أحسن، والتعفف عن المسألة أفضل، وأحسن الكلام في الشكوى سؤال المولى زوال البلوى، وهو ما قاله يعقوب في الآية [٨٦]. هذا؛ وقيل: الضّر (بضم الضاد) خاص بما في النفس كمرض وهزال، والضّر (بفتح الضاد) شائع في كل ضرر ومصيبة، وفي القاموس المحيط: الضّرّ والضّرّ والضّرر: ضد النفع والشدة والضيق وسوء الحال، النقصان يدخل في الشيء، والجمع: أضرار.
{وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ}: رديئة، أو قليلة، ترد وتدفع رغبة عنها من أزجيته إذا دفعته، ومنه قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً} قيل: كانت البضاعة دراهم زيوفا، وقيل: صوفا وسمنا، وقيل: الصنوبر والحبة الخضراء، وقيل: الأقط، وقيل: غير ذلك.
{فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ} أي: أعطنا ما كنت تعطينا من قبل بالثمن الجيد الوافي، وإن كانت بضاعتنا رديئة وغير حسنة. {وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا} أي: تكرم علينا برد أخينا إلى أبينا، والمسامحة وقبول بضاعتنا الرديئة. {إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ}: أحسن الجزاء في الآخرة، قال الضحاك:
لم يقولوا: إن الله يجزيك لأنهم لم يعلموا أنه مؤمن.
روي أن يعقوب عليه السّلام كتب كتابا إلى يوسف عليه السّلام حين حبس عنده بنيامين: من يعقوب إسرائيل الله، ابن إسحاق ذبيح الله!، ابن إبراهيم خليل الله إلى ملك مصر، أما بعد، فإنا أهل بيت وكّل بنا البلاء، أما جدي، فشدت يداه ورجلاه، وألقي في النار، فجعلها الله عليه بردا