{قالُوا تَاللهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥)}
الشرح: {قالُوا} أي: قال إخوة يوسف لأبيهم. {تَاللهِ}: انظر الآية رقم [٧٣] {تَفْتَؤُا} أي: لا تفتأ، فهذا الفعل من أفعال الاستمرار، بمعنى لا تزال، وقد حذفت منه (لا) في جواب القسم؛ لأنه لا يلتبس بالإثبات؛ لأن القسم إذا لم يكن معه علامة الإثبات كان على النفي، ومثل الآية في الشعر العربي قول امرئ القيس: [الطويل]
فقلت: يمين الله أبرح قاعدا... ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي
وحذف (لا) هذه يطرد مع الفعل المضارع، إذا كان جوابا للقسم، قال أحدهم: [الطويل]
ويحذف النّافي مع شروط ثلاثة... إذا كان (لا) مع المضارع في قسم
{حَتّى تَكُونَ حَرَضاً} أي: تالفا، وأصل الحرض: الفساد في الجسم أو العقل من حزن، أو عشق، أو هرم، قال العرجي: [البسيط]
إني امرؤ لجّ بي حبّ فأحرضني... حتّى بليت، وحتّى شفني السّقم
هذا؛ والحرض مصدر لا يجمع ولا يثنى، ولا يذكر ولا يؤنث، ويقرأ في الآية بفتح الحاء مع فتح الراء وكسرها وبضمتين مثل جنب. {أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ} أي: الميتين، وغرضهم منع أبيهم من البكاء والحزن شفقة عليه.
الإعراب: {قالُوا تَاللهِ}: انظر الآية رقم [٧٣]. {تَفْتَؤُا}: مضارع ناقص، واسمه مستتر فيه وجوبا، تقديره: «أنت»، وجملة: {تَذْكُرُ يُوسُفَ} في محل نصب خبره، وجملة:
{تَفْتَؤُا..}. إلخ جواب القسم لا محل لها، والقسم وجوابه في محل نصب مقول القول، وجملة: {قالُوا..}. إلخ مستأنفة لا محل لها. {حَتّى}: حرف غاية وجر بمعنى إلى.
{تَكُونَ}: مضارع ناقص منصوب ب «أن» مضمرة بعد {حَتّى،} واسمه مستتر تقديره: «أنت».
{حَرَضاً}: خبره، و «أن» المضمرة وتكون في تأويل مصدر في محل جر ب {حَتّى} والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما. {أَوْ}: حرف عطف. {تَكُونَ}: معطوف على ما قبله، منصوب مثله، واسمه تقديره: «أنت». {مِنَ الْهالِكِينَ}: متعلقان بمحذوف خبر تكون.
{قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٨٦)}
الشرح: {قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي}: أصل البث: إثارة الشيء وتفريقه، وبث النفس ما انطوت عليه من الغم والشر، قال ابن قتيبة: البث: أشد الحزن، وذلك لأن الإنسان إذا ستر الحزن وكتمه،