الشرح:{وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} أي: في سماء الدنيا. قال ابن كيسان: إذا كان في إحداهن؛ فهو فيهن. وروي: أن وجه القمر إلى السماء، وإذا كان إلى داخلها فهو متصل بالسموات، وقال ابن عباس وابن عمر-رضي الله عنهما-: وجهه يضيء لأهل الأرض، وظهره يضيء لأهل السماء.
{وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً} يعني: مصباحا لأهل الأرض، وفي إضافتها لأهل السماء القولان الأولان، وحكى القشيري عن ابن عباس-رضي الله عنهما-: أن الشمس وجهها في السموات وقفاها في الأرض. ومعنى (سراجا) يبصر أهل الدنيا في ضوئها، كما يبصر أهل البيت في ضوء السراج ما يحتاجون إلى إبصاره، والقمر ليس كذلك، إنما هو نور لم يبلغ قوة ضياء الشمس، ومثله قوله تعالى في سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً} رقم [٥]، والضياء أقوى من النور، وعبر عن الشمس بالسراج؛ لأنه يضيء بنفسه، وعبر عن القمر بالنور؛ لأنه يستمد نوره من غيره، ويؤيده ما تقرر في علم الفلك من أن نور الشمس ذاتي فيها، ونور القمر عرضي مكتسب من نور الشمس، فسبحان من أحاط بكل شيء علما. والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
أقول: وعلى قول ابن عباس، وابن عمر-رضي الله عنهما-: فالسموات السبع إنما هي طبقات هوائية ينفذ فيها ضوء القمر، ونور الشمس، ولا يبقى لما قاله محمد الشنواني في حاشيته على مختصر ابن أبي جمرة في شرح حديث المعراج: إن السموات السبع طبقات مادية من فضة ورصاص، ونحاس. لا يبقى لهذا الكلام أيّ اعتبار، والله أعلم، وأجل، وأكرم.
الإعراب:(جعل): فعل ماض، والفاعل يعود إلى {اللهُ} تقديره: «هو». {الْقَمَرَ:} مفعول به أول. {فِيهِنَّ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال من {نُوراً} كان صفة له، فلما قدم عليه؛ صار حالا، والنون حرف دال على جماعة الإناث. {نُوراً:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية، والتي بعدها معطوفتان على ما قبلهما، وهما في محل نصب مقول القول أيضا.
الشرح:{وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً:} قال الصابوني: بعد أن ذكر الله دليل الآفاق؛ ذكر هنا دليل الأنفس، وذلك؛ لأن في ذكر هذه الأمور دلالة واضحة على عظمة الله وقدرته، وباهر مصنوعاته، والمعنى: خلقكم، وأنشأكم من الأرض كما يخرج النبات، وسلّكم من تراب الأرض كما يسل النبات منها. قال المفسرون: لما كان إخراجهم، وإنشاؤهم إنما يتم بتناولهم