للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاِغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٨)}

الشرح: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا:} انظر الآية رقم [٦]. {تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} أي: ذات نصح، تنصح صاحبها بترك العود إلى الذنب الذي تاب منه. قال عمر بن الخطاب، وأبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل-رضي الله عنهم-: التوبة النصوح: أن يتوب، ثم لا يعود إلى الذنب، كما لا يعود اللبن إلى الضرع. وقال محمد بن كعب القرظي: التوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء:

الاستغفار باللسان، والإقلاع بالأبدان، وإضمار ترك العود بالجنان، ومهاجرة سيّئ الإخوان.

وقال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب على الفور، ولا يجوز تأخيرها سواء أكانت المعصية صغيرة، أو كبيرة؟ فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى، لا تتعلق بحق آدمي؛ فلها ثلاثة شروط: أحدها: أن يقلع عن المعصية، والثاني: أن يندم على فعلها، والثالث: أن يعزم على أن لا يعود إليها أبدا، فإذا اجتمعت هذه الشروط في التوبة؛ كانت نصوحا، وإن فقد شرط منها؛ لم تصح توبته. فإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي؛ فشروطها أربعة، هذه الثلاثة المتقدمة، والرابع: أن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت المعصية مالا، ونحوه؛ ردّه إلى صاحبه، وإن كان حدّ قذف، أو نحوه؛ مكنه من نفسه، أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة؛ استحله منها. ويجب أن يتوب العبد من جميع الذنوب فإن تاب من بعضها صحت توبته من ذلك الذنب، وبقي عليه ما لم يتب منه، هذا مذهب أهل السنة، وقد تظاهرت دلائل الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة على وجوب التوبة. انتهى. خازن. هذا؛ ولم يؤنث (نصوح)؛ لأنه صيغة مبالغة مثل: امرأة صبور، وجارية شكور، والمعنى بالغة في النصح. وخذ ما يلي:

عن الأغر بن يسار-رضي الله عنه-قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب إليه في اليوم مئة مرّة». أخرجه مسلم، وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «والله إنّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرّة». أخرجه البخاري، وعن أنس بن مالك-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من أحدكم سقط على بعيره، وقد أضلّه بأرض فلاة». رواه البخاري، ومسلم.

وعن أبي موسى الأشعري-رضي الله عنه-: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّ الله عز وجلّ يبسط يده بالليل؛ ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل؛ حتى تطلع الشمس من

<<  <  ج: ص:  >  >>