فصل لا محل له. والثاني: اعتباره توكيدا لاسم (إنّ) على المحل، وعليهما، فلفظ الجلالة خبر (إنّ)، وما بعده خبران آخران، والثالث: اعتباره مبتدأ، وما بعده أخبار له متعددة، وعليه، فالجملة الاسمية في محل رفع خبر (إنّ)، والآية كلها في محل نصب مقول القول لقول محذوف، انظر الشرح، وجملة:«قال الله: يا موسى...» إلخ مستأنفة، لا محل لها. هذا؛ وقال ابن هشام في المغني: يجوز في الضمير ثلاثة أوجه: الفصل، وهو أرجحها، والابتداء، وهو أضعفها، ويختص بلغة تميم، والتوكيد.
{وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠)}
الشرح:{وَأَلْقِ عَصاكَ:} في الآية حذف؛ إذ التقدير: وألق عصاك فألقاها من يده، فصارت حية تهتز كأنها جان، وهي الحية الخفيفة الصغيرة الجسم. وقيل: إنها قلبت له أولا حية صغيرة، فلمّا أنس منها؛ قلبت حية كبيرة. وقيل: انقلبت مرة حية صغيرة، ومرة حية تسعى، وهي الأنثى، وهو ما عبر عنها في سورة (طه) بقوله: {فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى،} ومرة ثعبانا، وهو الذكر الكبير من الحيات، وقد عبر عنها بقوله في سورة (الشعراء) وفي سورة (الأعراف): {فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ} وانظر ما ذكرته في سورة (طه) رقم [٢٠]، وفي سورة (القصص) رقم [٣١] تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. {وَلّى مُدْبِراً:} خائفا على عادة البشر هاربا من هول ما رأى. {وَلَمْ يُعَقِّبْ:} لم يرجع، ولم يلتفت لشدة خوفه، ورعبه؛ لأنه ظن: أن هذا الأمر أريد به. يقال:
عقّب المقاتل إذا كرّ، ورجع بعد الفرار، قال الشاعر:[الطويل]
فما عقّبوا إذ قيل هل من معقّب؟ ... ولا نزلوا يوم الكريهة منزلا
فهو يصف قوما بالجبن، وأنهم إن قيل: هل من معقب، وراجع على عقبه للحرب؛ لم يرجعوا إليها ولا نزلوا يوم الحرب منزلا من منازلها. {يا مُوسى لا تَخَفْ} أي: ناداه ربه: يا موسى لا تخف من الحية، وضررها. {إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} أي: لا يخاف المرسلون إذا خاطبتهم، وسمعوا كلامي، وكانوا بين يدي.
هذا؛ و {لَدَيَّ} ظرف مكان بمعنى: «عند» وهي معربة مثلها، وقد تستعملان في الزمان، وإذا أضيف «لدى» إلى مضمر كما هنا؛ قلبت ألفها ياء عند جميع العرب، إلا بني الحارث بن كعب، وبني خناعة، فلا يقلبونها تسوية بين الظاهر، والمضمر، كما لا يقلبون ألف على، وإلى، ونحوهما، وعلى لغتهم جاء قول الشاعر:[الوافر]
إلاكم يا خناعة لا إلانا... عزا النّاس الضّراعة والهوانا