الشرح:{إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}: يعني لكن من رحمه الله فمنّ عليه بالهداية والتوفيق إلى الحق، وهداه إلى الدين القويم، والصراط المستقيم، فهم لا يختلفون في ذلك. {وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ}: ولقد اختلف في المشار إليه اختلافا كبيرا، وحاصل الأقوال وملخصها: أن الله خلق أهل الباطل، وجعلهم مختلفين، وخلق أهل الحق وجعلهم متفقين، فحكم على بعضهم بالاختلاف، ومصيرهم إلى النار، وحكم على بعضهم بالرحمة-وهم أهل الاتفاق-ومصيرهم إلى الجنة، ويدل على صحة هذا القول سياق الآية. انتهى. خازن.
{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} أي: ثبت ذلك كما أخبر وقدّر في أزله، وتمام الكلمة: امتناعها عن قبول التغيير والتبديل. {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ..}. إلخ: وهذا صريح بأن الله سبحانه وتعالى خلق أقواما للجنة، وللرحمة، فهداهم، ووفقهم لأعمال أهل الجنة، وخلق أقواما للنار، فخذلهم ومنعهم من الهداية، وآية السجدة رقم [١٣] تصريح بهذا أتم تصريح.
-فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه-عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:«احتجّت الجنّة والنار، فقالت النّار: فيّ الجبّارون والمتكبّرون، وقالت الجنّة: فيّ ضعفاء المسلمين، ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنّك الجنّة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنّك النّار عذابي أعذّب بك من أشاء، ولكليكما عليّ ملؤها». رواه مسلم.
تنبيه: كلمة فيها ثلاث لغات: الأولى كلمة على وزن نبقة، وهي الفصحى، ولغة أهل الحجاز، وبها نطق القرآن الكريم في آيات كثيرة، وجمعها: كلم كنبق، والثانية: كلمة على وزن سدرة، والثالثة: كلمة على وزن: تمرة، وهما لغتا تميم، وجمع الأولى: كلم كسدر، والثانية:
كلم كتمر، وكذلك كل ما كان على وزن فعل، نحو كبد وكتف، فإنه يجوز فيه اللغات الثلاث، فإن كان الوسط حرف حلق، جاز فيه لغة رابعة، وهي اتباع الأول للثاني في الكسر، نحو فخذ وشهد، وهي في الأصل: قول مفرد، مثل محمد، وقام وقعد... إلخ، وقد تطلق على الجمل المفيدة، كما في هذه الآية، وقوله تعالى:{كَلاّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها} إشارة إلى قوله: {رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ} وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد»: [الطويل]
ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل... وكلّ نعيم-لا محالة زائل