للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ (١٠٥)}

الشرح: {وَلَقَدْ كَتَبْنا} أي: سجلنا، وقدرنا، وقضينا. {فِي الزَّبُورِ:} كتاب داود، انظر الآية رقم [٥٥] من سورة (الإسراء) تجد ما يسرك. {مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} أي: التوراة التي أنزلت على موسى على نبينا، وشفيعنا، وعليهم ألف صلاة، وألف سلام. هذا؛ وقيل: إن المراد ب‍: {الزَّبُورِ} جميع الكتب التي أنزلت على الرسل، والمراد ب‍: {الذِّكْرِ} اللوح المحفوظ الذي سجل فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، فيكون المراد بكتابة الزبور نسخ ما فيها من اللوح المحفوظ؛ لأن جميع الكتب السماوية مسجلة في اللوح المحفوظ من قديم الأزل.

{أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ:} أحسن ما قيل فيه: أنه يراد بها أرض الجنة، كما قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى؛ لأن الأرض في الدنيا يملكها الصالحون، وغيرهم، وهو قول ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما. وقال مجاهد وأبو العالية: ودليل هذا التأويل قوله تعالى:

{وَقالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ}. هذا؛ وقيل: إنها الأرض المقدسة. ذكر لي: أن اليهود كتبوا على جدران القنيطرة يوم احتلوها عام ١٩٦٧ م الآية التي نحن بصدد شرحها، كتبوها بحروف عربية مكبّرة. هذا؛ وقيل: المراد بها أرض الأمم الكافرة ترثها أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم بالفتوح. وقيل: إن المراد بذلك بنو إسرائيل بدليل قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها}. هذا؛ ويقرأ: {عِبادِيَ} بفتح ياء المتكلم وسكونها.

هذا؛ والإضافة بقوله: {عِبادِيَ} إضافة تشريف، وتعظيم، وتبجيل، وذكر العبودية مقام عظيم، والعبد: الإنسان حرا كان، أو رقيقا، ويجمع على: عبيد، وعباد، وأعبد، وعبدان، وعبدة، وغير ذلك، وانظر الآية رقم [١] من سورة (الإسراء). هذا؛ ولا تنس: أن في الآية الكريمة التفاتا من التكلم بالجمع إلى التكلم بالمفرد، وانظر الالتفات في الآية رقم [٣٤].

الإعراب: {وَلَقَدْ:} انظر الآية رقم [٤١] ففيها الكفاية. {كَتَبْنا:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها. {فِي الزَّبُورِ:} متعلقان بالفعل قبلهما. {مِنْ بَعْدِ:}

متعلقان به أيضا، وقيل: متعلقان بمحذوف صفة ل‍: {الزَّبُورِ،} وقيل: متعلقان بمحذوف حال، و {بَعْدِ} مضاف، و {الذِّكْرِ:} مضاف إليه. {أَنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {الْأَرْضَ:} اسمها.

{يَرِثُها:} مضارع، و (ها): مفعول به. {عِبادِيَ:} فاعل مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة، والياء في محل جر بالإضافة. {الصّالِحُونَ:} صفة {عِبادِيَ} مرفوع مثله. وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة؛ لأنه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، وجملة: {يَرِثُها..}. إلخ في

<<  <  ج: ص:  >  >>