للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشبه بالفعل، والكاف اسمها. {تَرْضى:} مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف للتعذر، والفاعل مستتر تقديره: «أنت»، والجملة الفعلية في محل خبر (لعل) والجملة الاسمية: {لَعَلَّكَ..}.

إلخ في محل نصب حال من فاعل (سبح) المستتر، التقدير: سبح أي: صل حال كونك راجيا وطامعا في أن الله يرضيك بما يعطيك من الثواب. تأمل، وتدبر، وربك أعلم، وأجل، وأكرم.

{وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٣١)}

الشرح: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ..}. إلخ: المعنى لا تتطلع يا محمد، ولا تنظر إلى ما أعطيناه الكفار من متع الحياة الدنيا، ولذائذها وشهواتها، فإن ذلك لا دوام له، ولا بقاء، وما أعطيناه الكفار من حطام الدنيا الفاني إنما هو كالزهرة تتفتح في أول النهار، ثم تذبل في آخره، فقد نهى الله النبي صلّى الله عليه وسلّم عن الرغبة في الدنيا، ومزاحمة أهلها عليها، ولذا كان لا ينظر إلى شيء من متعها، ولا يلتفت إليه، ولا يستحسنه.

{لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ:} لنختبرهم. وقيل: لنجعل ذلك فتنة لهم، وضلالا، فيزدادوا كفرا، وطغيانا، ومعنى أزواجا: أصنافا من الكفرة. {وَرِزْقُ رَبِّكَ} أي: ما ادخر لك في الآخرة، أو ما رزقك من الهدى والنبوة. {خَيْرٌ وَأَبْقى:} أفضل، وأدوم؛ لأنه لا ينقطع، ولا ينتهي. هذا؛ وانظر شرح (العين) في الآية رقم [٨٦] من سورة (الكهف)، وشرح {خَيْرٌ} في الآية رقم [٤٤] منها.

قال القرطبي رحمه الله تعالى: قال بعض الناس: سبب نزول هذه الآية ما رواه أبو رافع مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: نزل ضيف برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأرسلني عليه السّلام إلى رجل من اليهود، وقال: «قل له يقول لك رسول الله: نزل بنا ضيف، ولم يلف عندنا بعض الذي يصلحه، فبعني كذا، وكذا من الدقيق، أو أسلفني إلى هلال رجب». فقال: لا، إلا برهن. قال: فرجعت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأخبرته، فقال: «والله إني لأمين في السماء، أمين في الأرض، ولو أسلفني، أو باعني؛ لأديت إليه، اذهب بدرعي إليه». ونزلت الآية تعزية له عن الدنيا.

قال ابن عطية: وهذا معترض أن يكون سببا؛ لأن السورة مكية والقصة المذكورة مدنية في آخر عمر النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه مات؛ ودرعه مرهونة عند يهودي بهذه القصة التي ذكرت، وإنما الظاهر: أن الآية متناسقة مع ما قبلها، وذلك: أن الله تعالى وبخهم على ترك الاعتبار بالأمم السالفة، ثم توعدهم بالعذاب المؤجل، ثم أمر نبيه صلّى الله عليه وسلّم بالاحتقار لشأنهم، والصبر على أقوالهم، والإعراض عن أموالهم، وما في أيديهم من الدنيا؛ إذ ذلك منصرم عنهم، صائر إلى خزي. انتهى. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٨٨] من سورة (الحجر) ففيها كبير فائدة. والله الموفق، والمعين، وبه أستعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>