للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢)}

الشرح: {لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً} أي: في الجنة، واللغو: هو الباطل من الكلام، والذي لا ينتفع به، ومنه قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم الذي رواه عنه أبو هريرة-رضي الله عنه-: «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة، والإمام يخطب: أنصت فقد لغوت». وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: اللغو: كل ما لم يكن فيه ذكر الله تعالى. {إِلاّ سَلاماً} أي: ولكن يسمعون قولا يسلمون فيه من العيب، والنقيصة. أو إلا تسليم الملائكة عليهم، أو إلا تسليم بعضهم على بعض (على الاستثناء المنقطع) وما أحراك أن تنظر قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ} في الآية رقم [١٠] من سورة (يونس) عليه السّلام. وأيضا في الآية رقم [٢٣] من سورة (إبراهيم) عليه السّلام. وانظر الآية رقم [٢٤] من سورة (الرعد). هذا؛ وقيل: إن {سَلاماً} مستثنى من صفة ذم منفية، فهو تأكيد المدح بما يشبه الذم على حد قوله تعالى: {وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} وقال النابغة الذبياني: [الطويل]

ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم... بهنّ فلول من قراع الكتائب

{وَلَهُمْ} أي: للذين تابوا، وآمنوا، وعملوا الصالحات. {رِزْقُهُمْ} أي: ما يشتهون من المطاعم، والمشارب. {بُكْرَةً وَعَشِيًّا:} قال أهل التفسير: ليس في الجنة ليل، ولا نهار حتى يعرف به البكرة، والعشي، بل هم في نور أبدا، ولكنهم يؤتون بأرزاقهم على مقدار طرفي النهار. كعادتهم في الدنيا. وقيل: إنّهم يعرفون وقت النهار برفع الحجب، وفتح الأبواب، ووقت الليل بإرخاء الحجب، وإغلاق الأبواب. ذكره أبو الفرج ابن الجوزي، والمهدوي، وغيرهما. هذا؛ والمراد: بذكر البكرة والعشي: دوام الرزق، ودروره، لا أنهم ممنوعون من الرزق في غير هذين الوقتين المقدرين في الجنة.

وخرج الترمذي الحكيم في نوادر الأصول من حديث أبان عن الحسن، وأبي قلابة قالا:

قال رجل: يا رسول الله! هل في الجنة من ليل؟ قال: وما هيّجك على هذا؟ قال: سمعت الله تعالى يذكر في الكتاب: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا} فقلت: الليل بين البكرة، والعشي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس هناك ليل، إنّما هو ضوء ونور، يردّ الغدوّ على الرّواح، والرواح على الغدوّ، وتأتيهم طرف الهدايا من الله تعالى لمواقيت الصّلاة، التي كانوا يصلون فيها في الدّنيا، وتسلّم عليهم الملائكة». وهذا في غاية البيان لمعنى الآية. انتهى. قرطبي بتصرف. هذا؛ وانظر شرح «الغداة والعشي» في الآية رقم [٢٨] من سورة (الكهف).

الإعراب: {لا:} نافية. {يَسْمَعُونَ:} مضارع مرفوع... إلخ، والواو فاعله. {فِيها:}

متعلقان بما قبلهما. {لَغْواً:} مفعول به. {إِلاّ:} أداة استثناء. {سَلاماً:} مستثنى ب‍: {إِلاّ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>