والهاء في محل جر بالإضافة. {أَحَدٌ:} فاعل، أو نائب فاعل، والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها، والتي بعدها معطوفة عليها، وإعرابها مثلها بلا فارق.
{يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) اِرْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَاُدْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)}
الشرح: لما ذكر الله حال من كانت همّته الدنيا، فاتهم الله في إغنائه، وإفقاره؛ ذكر حال من اطمأنت نفسه إلى الله تعالى، فسلام لأمره، فاتكل عليه. انتهى. قرطبي. أقول: وهذا من باب المقابلة؛ التي ذكرتها لك كثيرا. انظر الآية رقم [٣٦] من سورة (النبأ).
{يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} أي: الثابتة على الإيمان، والإيقان، المصدقة بما قال الله تعالى، الموقنة التي أيقنت بالله عز وجل، وخضعت لأمره، وطاعته، هي الراضية بقضاء الله. وقيل: هي الآمنة من عذاب الله. وقيل: هي المطمئنة بذكر الله. قال تعالى في سورة (الرعد) رقم [٢٨]:
{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ}. والراضية بقضاء الله: هي التي علمت، وأيقنت: أنّ ما أخطأها لم يكن ليصيبها، وأن ما أصابها لم يكن ليخطئها. وقيل: هي المخلصة. وقيل: هي العارفة بالله؛ التي لا تصبر عنه طرفة عين. وقال ابن زيد: المطمئنة؛ لأنها بشرت بالجنة عند الموت، وعند البعث، والحشر. قيل: نزلت في الحمزة حين استشهد بأحد. وقيل: في خبيب ابن عدي الأنصاري؛ الذي صلبه أهل مكة. وقيل: في عثمان بن عفان حين اشترى بئر رومة.
وقيل: في أبي بكر، -رضي الله عنهم أجمعين-. والأصح: أنها عامة في كل نفس مؤمنة مطمئنة؛ لأن هذه السورة مكية.
{اِرْجِعِي إِلى رَبِّكِ} أي: إلى ما وعد ربك من الخير العميم، والثواب المقيم. يقال لها ذلك عند خروجها من الدنيا. قال عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-: (إذا توفي العبد المؤمن؛ أرسل الله عز وجل إليه ملكين، وأرسل إليه بتحفة من الجنة، فيقال: اخرجي أيتها النفس المطمئنة، اخرجي إلى روح، وريحان، وربك عنك راض. فتخرج كأطيب ريح مسك، وجده أحد في أنفه، والملائكة على أرجاء السماء، يقولون: قد جاء من الأرض روح طيبة، ونسمة طيبة، فلا تمر بباب إلا فتح لها، ولا بملك إلا صلى عليها؛ حتى يؤتى بها الرحمن جل جلاله، فتسجد له، ثم يقال لميكائيل: اذهب بهذه النفس، فاجعلها مع أنفس المؤمنين، ثم يؤمر، فيوسع عليه قبره، فسبعون ذراعا عرضه، وسبعون ذراعا طوله، وينبذ له الروح، والريحان فإن كان معه شيء من القرآن؛ كفاه نوره، وإن لم يكن؛ جعل له مثل نور الشمس في قبره، ويكون مثله مثل العروس ينام، فلا يوقظه إلا أحبّ أهله إليه.