للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اصبر على ما يقولون، وعظم معصية الله في أعينهم بذكر قصة داود عليه السّلام، وهو أنّه نبي من أنبياء الله تعالى، قد أولاه الله ما أولاه من النبوة والملك لكرامته عليه، وزلفته لديه، ثم زل زلة، فبعث الله إليه الملائكة، ووبخه عليها على طريق التمثيل، والتعريض؛ حتى فطن لما وقع فيه، فاستغفر، وأناب، ووجد منه ما يحكى من بكائه الدائم، وغمه الواصب، ونقش جنايته في بطن كفه، حتى لا يزال يجدد النظر إليها، والندم عليها، فما الظن بكم مع كفركم، ومعاصيكم؟! انتهى.

الإعراب: {اِصْبِرْ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: «أنت». {عَلى:} حرف جر. {ما:}

تحتمل الموصولة، والموصوفة، والمصدرية. فعلى الأولين مبنية على السكون في محل جر ب‍: {عَلى،} والجار والمجرور متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية بعدها صلتها، أو صفتها، والعائد، أو الرابط محذوف، التقدير: اصبر على الذي، أو على شيء يقولونه. وعلى اعتبارها مصدرية تؤول مع الفعل بعدها بمصدر في محل جر ب‍: {عَلى} التقدير: اصبر على قولهم: هو شاعر، هو ساحر... إلخ، والجملة الفعلية مستأنفة، أو مبتدأة لا محل لها من الإعراب، وجملة: {وَاذْكُرْ عَبْدَنا..}. معطوفة عليها لا محل لها مثلها. {داوُدَ:} بدل، أو عطف بيان على ما قبله. {ذَا:} صفة: {داوُدَ} منصوب مثله، وعلامة نصبه الألف نيابة عن الفتحة؛ لأنه من الأسماء الخمسة، و {ذَا} مضاف، و {الْأَيْدِ} مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة، والجملة الاسمية: {إِنَّهُ أَوّابٌ} تعليل للأمر، لا محل لها.

{إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (١٨) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ (١٩)}

الشرح: {إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ:} قال مقاتل: كان داود-عليه السّلام-إذا ذكر الله تعالى؛ ذكرت الجبال معه، وكان يفقه تسبيح الجبال. وانظر ما ذكرته في سورة (سبأ) رقم [١٠].

{بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ} أي: إن الله سخر الجبال تسبح معه عند إشراق الشمس، وآخر النهار، كما قال تعالى في سورة (سبأ) رقم [١٠]: {يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ}. كذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه، وترجع بترجيعه، فكان إذا مر به الطير، وهو سابح في الهواء، فسمعه، وهو يترنم بقراءة الزبور؛ لا يستطيع الذهاب بل يقف في الهواء، ويسبح معه، وتجيبه الجبال الشامخات، ترجع معه، وتسبح تبعا له. هذا؛ ولا تنس: الطباق بين: العشي، والإشراق.

هذا؛ والعشي: من قبيل العصر إلى المغرب، وقد قوبل بالإشراق هنا، وهو بياض الشمس بعد طلوعها، ويقال: شرقت الشمس: إذا طلعت، وأشرقت: إذا أضاءت، انظر ما ذكرته في الآية رقم [١٨] من سورة (الروم) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. {وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً:} مجموعة إليه من كل جانب تسبح معه. {كُلٌّ لَهُ:} لداود {أَوّابٌ} أي: رجاع إلى طاعته، مطيع له، بالتسبيح معه، فعن ابن عباس-رضي الله عنهما-قال: كان إذا سبح؛ جاوبته الجبال بالتسبيح،

<<  <  ج: ص:  >  >>