حرف تنبيه لا محل له، والجار والمجرور متعلقان ب: {شَهِيداً،} أو بمحذوف صفة له، وجملة:
{وَجِئْنا..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل جر مثلها، والكلام: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ..}. إلخ كله مستأنف. {وَنَزَّلْنا:} الواو: حرف استئناف. (نزلنا): فعل، وفاعل. {عَلَيْكَ:} متعلقان بما قبلهما. {الْكِتابَ:} مفعول به. {اِجْتَبَيْنا:} حال من الكتاب، أو هو مفعول لأجله، وهو أقوى.
{لِكُلِّ:} متعلقان ب: {اِجْتَبَيْنا؛} لأنه مصدر، و (كل): مضاف، و {شَيْءٍ:} مضاف إليه. {وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى:} هذه الأسماء معطوفة على {اِجْتَبَيْنا،} فهي مثله حالا. {لِلْمُسْلِمِينَ:} متعلقان بأحد الأسماء الثلاثة، أو بمحذوف صفة لواحد منها، وذلك على التنازع، وجملة: {وَنَزَّلْنا..}.
إلخ: مستأنفة. واعتبارها معطوفة على ما قبلها يخل بالمعنى؛ لأن التنزيل حصل في الدنيا، وأما البعث وما بعده لا يحصلان إلا في الآخرة. تأمل، وتدبر.
{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠)}
الشرح: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} أي: بالتسوية في الحقوق فيما بينكم، وترك الظلم، وإيصال كل ذي حق إلى حقّه. انتهى. نسفي. وهذا أحسن ما قيل في تفسيره من أقوال كثيرة.
هذا؛ وفسره البيضاوي بالتوسط وبالاعتدال في الأمور اعتقادا كالتوحيد المتوسط بين التعطيل والتشريك، والقول بالكسب المتوسط بين محض الجبر، والقدر، وعملا كالتعبد بأداء العبادات الواجبات المتوسط بين البطالة، والترهب، وخلقا كالجود المتوسط بين البخل، والتبذير.
{وَالْإِحْسانِ} أي: إلى من أساء إليكم عملا بقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ} وقيل في تفسير العدل والإحسان: فالأول: المفروض من العبادات، والثاني:
المندوب منها؛ لأن الفرض لا بد أن يقع فيه نقص، أو تفريط، فيجبره الندب، ويعضده قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ أوّل ما افترض الله على الناس من دينهم الصلاة، وآخر ما يبقى الصلاة، وأوّل ما يحاسب به الصّلاة، ويقول الله: انظروا في صلاة عبدي، فإن كانت تامّة؛ كتبت تامّة، وإن كانت ناقصة؛ يقول: انظروا هل لعبدي من تطوّع؟ فإن وجد له تطوّع؛ تمّت الفريضة من التطوع، ثم قال: انظروا هل زكاته تامة؟ فإن كانت تامة؛ كتبت تامة، وإن كانت ناقصة؛ قال: انظروا هل له صدقة؟ فإن كانت له صدقة؛ تمّت له زكاته». رواه أبو يعلى عن أنس-رضي الله عنه-.
هذا؛ وفسر الإحسان بالإخلاص، وهو مأخوذ من قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لجبريل عليه السّلام:
«الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك». والإحسان يفسر بحبّ الخير للناس كما يحبّه المرء لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، فإن كان أحدهم مؤمنا؛ يحبّ أن يزداد أخوه إيمانا، وطاعة لربه، وإن كان أحدهم كافرا؛ يحبّ أن يكون أخاه في الإسلام مؤمنا مثله.