يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فسكتوا، فقام شيخ من هذيل، وقال: هذه لغتنا، التخوّف التنقّص، قال: فهل تعرف العرب هذا في أشعارهم؟ قال: نعم، قال شاعرنا أبو كبير الهذلي: [البسيط]
تخوّف الرحل منها تامكا قردا... كما تخوّف عود النّبعة السّفن
فقال عمر-رضي الله عنه-: أيها الناس عليكم بديوانكم لا تضلوا، قالوا: وما ديواننا؟ قال:
شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم، ومعاني كلامكم. هذا؛ ويأتي الخوف بمعنى العلم، وبه قيل في قوله تعالى: {فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً..}. إلخ الآية رقم [١٨١] من سورة (البقرة)، وفي قوله تعالى: {إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللهِ..}. إلخ الآية رقم [٢٢٨] من سورة (البقرة).
هذا؛ والطمع: نزوع النفس إلى الشيء المحبوب والحرص على حصوله في المستقبل.
{وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ} أي: ويخلق الله الغيوم ويظهرها، والسحاب غربال الماء، قاله علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، هذا؛ وقيل: السحاب الغيم فيه ماء، أو لم يكن فيه ماء، ولهذا قيل:
سحاب جهام، وهو الخالي من الماء، وأصل السحب: الجر، وسمي السحاب سحابا، إما لجر الريح له، أو لجره الماء، أو لانجراره في سيره، هذا؛ ووصفه الله بالثقال لثقله بالماء الذي يحمله إلى حيث شاء الله الخلاق العظيم، وما أحراك أن تنظر الحديث الذي ذكرته في الآية رقم [٣]. هذا؛ والسحاب اسم جنس، واحده سحابة، فذلك وصف بالجمع، وهو الثقال جمع ثقيلة، وتجمع السحابة على سحاب وسحائب وسحب.
الإعراب: {هُوَ الَّذِي}: مبتدأ وخبر. {يُرِيكُمُ} مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء للثقل والفاعل مستتر يعود إلى {الَّذِي} وهو بصري تعدى إلى الثاني بهمزة التعدية، وانظر إعلال {تُوقِنُونَ} في الآية رقم [٢] فهو مثله إذ أصله: «يؤريكم» والكاف مفعوله الأول، والبرق: مفعوله الثاني، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها، والعائد: رجوع الفاعل إليه، {خَوْفاً}: مفعول لأجله، وقيل: حال من كاف المخاطبين بمعنى: ذوي خوف، وذوي طمع. {وَيُنْشِئُ}: مضارع والفاعل يعود إلى {الَّذِي}. {السَّحابَ}: مفعول به. {الثِّقالَ}:
صفة له، والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها، لا محل لها مثلها، والجملة الاسمية: {هُوَ الَّذِي..}. إلخ مستأنفة لا محل لها، هذا؛ وأجيز اعتبار خوفا مفعولا مطلقا، وهو ضعيف.
{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣)}
الشرح: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} أي: بحمد الله تعالى، ويسبح كذلك سامعوه من بني آدم المؤمنين، وهل الرعد اسم ملك أو صوت ملك؟ خلاف، وهو خلاف ما يقوله العلم الحديث،