للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَأَنْ لَوِ اِسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (١٦)}

الشرح: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} أي: لو آمن هؤلاء الكفار، واستقاموا على شريعة الله تعالى. {لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً} أي: لبسطنا لهم في الرزق، ووسعنا عليهم في الدنيا زيادة على ما يحصل لهم في الآخرة من النعيم المقيم، وبذلك يحوزون عز الدنيا، وسعادة الآخرة. هذا؛ وقيل: المراد بقوله تعالى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا:} الجن القاسطون؛ الذين تقدم ذكرهم، ووصفهم، والمعنى لو استقام الجن على الطريقة المثلى الحسنى؛ لأنعمنا عليهم، وإنما ذكر الماء كناية عن طيب العيش، وكثرة المنافع. والمعتمد الأول، فهو كقوله تعالى في سورة (الأعراف) رقم [٩٦]:

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ،} وقال تعالى في حق أهل الكتابين في سورة (المائدة) رقم [٦٦]: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}.

هذا؛ والغدق بفتح الدال، وكسرها لغتان في الماء الغزير، ومنه: الغيداق للماء الكثير، وللرجل الكثير العدد، والكثير النطق، ويقال: غدقت عينه، تغدق، أي: هطل دمعها غدقا. والله أعلم، وأجل، وأكرم، ولا تنس: أن الله تعالى كنى عن رخاء العيش بكثرة المطر؛ لأنه سببه.

هذا؛ ومصدر استقام: استقامة، والأصل: استقوام، فقل في إعلاله: اجتمع معنا حرف صحيح ساكن، وحرف علة متحرك، والحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، فنقلت حركة الواو إلى القاف قبلها، وتحركت الواو بحسب الأصل، وانفتح ما قبلها بحسب الحال، فقلبت ألفا، فاجتمع ألفان: الألف المنقلبة، وألف الاستفعال. فحذفت ألف الاستفعال لالتقاء الساكنين، وعوض عنها التاء في الآخر، وقد يستغنى عن هذه التاء في حال الإضافة، ومنه قوله تعالى: {رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ} أي: إقامتها. والإعلال المتقدم إنما هو بالنقل والقلب والحذف معا، ومثل هذا المصدر: استعانة، واستعاذة، ونحوهما.

الإعراب: {وَأَنْ لَوِ} الواو: حرف عطف. (أن): حرف مشبه بالفعل مخفف من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، التقدير: ولو أنهم. (لو): حرف لما كان سيقع لوقوع غيره.

{اِسْتَقامُوا:} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعله، والألف للتفريق. {عَلَى الطَّرِيقَةِ:}

متعلقان بما قبلهما، والجملة الفعلية لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي. {لَأَسْقَيْناهُمْ:} اللام: واقعة في جواب (لو). (أسقيناهم): فعل، وفاعل، ومفعول به أول. {ماءً:} مفعول به ثان. {غَدَقاً:} صفة {ماءً،} والجملة الفعلية جواب (لو)، لا محل لها، ولو ومدخولها في محل رفع خبر (أن) المخففة، والمصدر المؤول من: (أن) المخففة واسمها المحذوف وخبرها معطوف على ما قبله على مثال ما رأيت سابقا.

<<  <  ج: ص:  >  >>