هذا؛ ول (الشقاق) ثلاثة معان: أحدها: العداوة، كما في قوله تعالى حكاية عن قول شعيب عليه السّلام لقومه:{وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي..}. إلخ [٨٩] من سورة (هود). والثاني:
الضلال، والكفر كما في هذه الآية التي نحن بصدد شرحها. والثالث: الخلاف، كما في قوله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما..}. إلخ [٣٥](النساء).
هذا؛ وقد قال الثعلبي: وفي الآية دليل على أن الأنبياء يجوز عليهم السهو، والنسيان، والخطأ بوسواس الشيطان، أو عند شغل القلب حتى يغلط، ثم ينبه، ويرجع إلى الصحيح، وهو معنى قوله:{فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ} ولكن إنما يكون الغلط على حسب ما يغلط أحدنا، فأما ما يضاف إليه من قولهم: تلك الغرانيق العلا، فكذب على النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن فيه تعظيم الأصنام، ولا يجوز ذلك على الأنبياء، كما لا يجوز أن يقرأ بعض القرآن، ثم ينشد شعرا، ويقول: غلطت، وظننته قرآنا. انتهى. قرطبي.
الإعراب:{لِيَجْعَلَ:} مضارع منصوب ب: «أن» مضمرة بعد لام التعليل، والفاعل يعود إلى (الله)، و «أن» المضمرة والمضارع في تأويل مصدر في محل جر بلام التعليل، والجار والمجرور متعلقان بالفعل (يحكم) وإليه نحا الحوفي، فتكون الجملة الاسمية:{وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} معترضة، أو هما متعلقان بالفعل (ينسخ) وإليه ذهب ابن عطية، أو هما متعلقان بالفعل {أَلْقَى،} وليس بظاهر. انتهى. جمل. {ما يُلْقِي الشَّيْطانُ:} انظر الآية السابقة، ففيها الكفاية.
{فِتْنَةً:} مفعول به ثان. {لِلَّذِينَ:} متعلقان ب: {فِتْنَةً،} أو بمحذوف صفة لها. {فِي قُلُوبِهِمْ:} متعلقان بمحذوف خبر مقدم. {مَرَضٌ:} مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية صلة الموصول لا محل لها؛ هذا؛ ويجوز اعتبار الجار والمجرور متعلقين بمحذوف صلة الموصول، و {مَرَضٌ} فاعلا بمتعلقهما، التقدير: للذين استقر في قلوبهم مرض. {وَالْقاسِيَةِ:} معطوف على الموصول. {قُلُوبِهِمْ:} فاعل له، والهاء في محل جر بالإضافة. {وَإِنَّ:} الواو: حرف استئناف. (إنّ): حرف مشبه بالفعل. {الظّالِمِينَ:} اسم (إن) منصوب، وعلامة نصبه الياء
إلخ. {لَفِي:} اللام: هي المزحلقة. (في شقاق): متعلقان بمحذوف خبر (إنّ). {بَعِيدٍ:}
صفة (شقاق) والجملة الاسمية: {وَإِنَّ الظّالِمِينَ..}. إلخ مستأنفة لا محل لها.
الشرح:{وَلِيَعْلَمَ:} وليوقن، ويعتقد. {الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ:} وهم من المؤمنين الموحدين الذين ليس في قلوبهم مرض، ولا زيغ عن الإيمان، والتوحيد:{أَنَّهُ} أي: القرآن، والذي أحكم، وأثبت من آياته. {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ:} الحق النازل من عند الله، لا ريب فيه، ولا يشوبه تحريف،