للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦) رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧)}

الشرح: {فَبِأَيِّ آلاءِ..}. إلخ: ذكرت هذه الاية في هذه السورة إحدى وثلاثين مرة: ثمانية منها ذكرت عقب آيات فيها تعداد عجائب خلق الله، وبدائع صنعه، ومبدأ الخلق، ومعادهم، ثم سبعة منها عقب آيات فيها ذكر النار وشدائدها بعدد أبواب جهنم، وحسن ذكر الالاء عقبها؛ لأن من جملة الالاء رفع البلاء، وتأخير العذاب، وبعد هذه السبعة ثمانية في وصف الجنتين وأهلهما بعدد أبواب الجنة، وثمانية أخرى بعدها في الجنتين اللتين هما دون الجنتين الأوليين، أخذا من قوله تعالى: {وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ} فمن اعتقد الثمانية الأولى، وعمل بموجبها استحق هاتين الثمانيتين من الله ووقاه السبعة السابقة. انتهى. جمل عن شيخ الإسلام في متشابه القرآن.

هذا؛ وفي الخازن قوله: وكرر هذه الاية في هذه السورة في أحد وثلاثين موضعا، تقريرا للنعمة، وتأكيدا في التذكير بها، ثم عدد على الخلق آلاءه، وفصل بين كل نعمتين بما ينبههم عليها، ليفهمهم النعم، وليقررهم بها، كقول الرجل لمن أحسن إليه، وتابع إليه بالأيادي، وهو ينكرها، ويكفرها: ألم تكن فقيرا، فأغنيتك؟ أفتنكر هذا؟ ألم تكن عريانا فكسوتك؟ أفتنكر هذا؟ ألم تكن خاملا فعززتك؟ أفتنكر هذا؟ ومثل هذا الكلام شائع في كلام العرب، حسن تقريرا؛ وذلك؛ لأن الله تعالى ذكر في هذه السورة ما يدل على واحدانيته، من خلق الإنسان، وتعليمه، والبيان، وخلق الشمس والقمر، والسماء والأرض إلى غير ذلك مما أنعم الله به على خلقه، وخاطب الجن والإنس، فقال: فبأي آلاء... إلخ من الأشياء المذكورة؛ لأنها كلها منعم بها عليكم. انتهى. وانظر ما ذكرته في الاية رقم [٢١] و [٢٢] من سورة (القمر). هذا؛ ومعنى {تُكَذِّبانِ} تكفران، والتعبير عن كفرهم المذكور بالتكذيب؛ لما أن دلالة الالاء المذكورة على وجوب الإيمان والشكر شهادة منها بذلك، فكفرهم بها تكذيب بها لا محالة؛ أي: فإذا كان الأمر كما فصل، فبأي فرد من أفراد آلاء مالككما ومربيكما بتلك الالاء تكذبان؟ مع أن كلا منها ناطق بالحق شاهد بالصدق. هذا؛ والاستفهام للتقرير بالنسبة للمؤمنين، وللتوبيخ، والتقريع بالنسبة للكافرين، والفاسقين من الإنس، والجن.

{رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ:} فينبغي أن تعلم: أن الله تعالى قال في سورة (البقرة) رقم [١١٥] {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} فالمراد بهما ناحيتا الأرض، له سبحانه الأرض كلها، لا يختص به مكان دون مكان، وقال هنا: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} أي مشرقي الشتاء والصيف، ومغربيهما، وقال تعالى في سورة (المعارج): {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنّا لَقادِرُونَ} فقد جمع المشرق والمغرب كما ترى باعتبار مشارق الشمس ومغاربها في السنة، وهي ثلاثمئة وخمس وستون كوة في مطلعها، ومثلها في مغربها على عدد أيام السنة الشمسية، تطلع كل يوم من كوة منها، وتغيب في

<<  <  ج: ص:  >  >>