للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٥)}

الشرح: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ:} يا محمد. {وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} أي: من الرسل. {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} أي: لئن أشركت يا محمد ليبطلن ويفسدن عملك الصالح. {وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ} أي: ولتكونن في الآخرة من جملة الخاسرين بسبب ذلك. وهذا على سبيل الفرض، والتقدير، وإلا فالرسول صلّى الله عليه وسلّم قد عصمه الله، وحاشا له أن يشرك بالله، وهو الذي جاء لإقامة صرح الإيمان، والتوحيد. والكلام وارد على طريقة الفرض لتهييج سيد الرسل، وإقناط الكفرة، والإيذان بغاية شناعة الإشراك، وقبحه. انتهى. صفوة التفاسير. وقال النسفي: وإنما صح هذا الكلام مع علمه تعالى بأن رسله لا يشركون؛ لأن الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم والمراد: به غيره، ولأنه على سبيل الفرض، والمحالات يصح فرضها. انتهى.

هذا؛ وفي المصباح المنير: حبط العمل، يحبط من باب: تعب حبطا بالسكون، وحبوطا:

فسد، وهدر. وحبط، يحبط من باب: ضرب لغة، وقرئ بها في الشواذ، وحبط دم فلان من باب: تعب: هدر. وأحبطت العمل، والدم (بالألف) أهدرته. انتهى. جمل. وفي مختار الصحاح: والحبط (بفتحتين): أن تأكل الماشية، فتكثر حتى تنتفخ لذلك بطونها، ولا يخرج عنها ما فيها. وقيل: هو أن ينتفخ بطنها عن أكل الذرق، وهو الحندقوق. وفي الحديث «إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا، أو يلمّ». انتهى. واسم هذا الداء: حباط، و «حبط» لازم، ويتعدى بالهمزة.

هذا؛ وأصل الوحي: الإشارة السريعة، والوحي: الكتاب المنزل على الرسول المرسل لقومه، مثل: موسى، وعيسى، ومحمد صلّى الله عليهم وسلم أجمعين، والوحي أيضا: الكتابة، والرسالة، والإلهام، والكلام الخفي، وكل ما ألقيته إلى غيرك. وتسخير الطير لما خلق له إلهام.

والوحي إلى أم موسى إلهام، والوحي إلى النحل، وتسخيرها لما خلقها الله له إلهام أيضا. وانظر ما ذكرته في الآية رقم [٦٨] من سورة (النحل)، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

قال القشيري: فمن ارتد عن الإسلام لم تنفعه طاعاته السابقة، ولكن إحباط الردة العمل مشروط بالوفاة على الكفر، ولهذا قال تعالى في سورة (البقرة) رقم [٢١٧]: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ..}. إلخ فالمطلق ها هنا محمول على المقيد، ولهذا قلنا: من حج ثم ارتد، ثم عاد إلى الإسلام لا يجب عليه إعادة الحج. قلت: هذا مذهب الشافعي، وعند مالك تجب عليه الإعادة. انتهى. قرطبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>