الشرح:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ:} فهلاكا، وعثارا، وانحطاطا. وهو نقيض لعا له، قال الأعشى:[البسيط] كلّفت مجهولها نفسي وشايعني... همّي عليها إذا ما آلها لمعا
بذات لوث عفرناة إذا عثرت... فالتّعس أولى لها من أن يقال: لعا
وقال ابن دريد في مقصورته-وهو الشاهد رقم [١٠٤٢] من كتابنا: «فتح القريب المجيب» -: [الرجز] فإن عثرت بعدها إن وألت... نفسي من هاتا فقولا: لا لعا
يقول الأعشى: كلفت نفسي سير المجهول من المفازة، وعاودني عزمي على سيرها وقت لمعان آلها، وهو السراب، الذي يرى عند شدة الحر، كأنه ماء، مع أن سير الهاجرة أشد من سير الليل، ثم قال: مع ناقة صاحبة قوة، ويطلق اللوث على الضعف أيضا، فهو من الأضداد.
وعفرناة: غليظة، ويقال للعاثر:«لعا لك» دعاء له بالسلامة، والانتعاش، و «تعسا له» دعاء عليه بالسقوط يريد: أنها لا تعثر، ولو عثرت، فالدعاء عليها أحقّ بها من الدعاء لها، و «لعا» اسم فعل ماض. هذا؛ وقد تعس بفتح العين يتعس تعسا، وأتعسه الله. قال مجمّع بن هلال:[الطويل] تقول وقد أفردتها من خليلها... تعست كما أتعستني با مجمّع
ومنه حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «تعس عبد الدينار، والدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي؛ رضي، وإن لم يعط؛ سخط، تعس، وانتكس، وإذا شيك؛ فلا انتقش... إلخ». رواه البخاري. هذا؛ والخميصة: ثوب خز، ونحوه. شيك: أصابته شوكة. فلا انتقش: فلا خرجت الشوكة من رجله، ونحوها بالمنقاش. هذا؛ وفي قوله تعالى:
(أضل أعمالهم) استعارة مكنية. فقد شبه أعمالهم الصالحة بالشيء الضائع في الأرض الفلاة، لا صاحب يحفظه، ويعتني به. أو بالماء الذي يضل في اللبن ويستهلك فيه، والمعنى: أنّ الكفار ضلت أعمالهم الصالحة في جملة أعمالهم السيئة من الكفر، والمعاصي، وحتى صار صالحهم مستهلكا في غمار سيئهم، ومقابله في المؤمنين: ستر الله لأعمالهم السيئة في كنف أعمالهم الصالحة من الإيمان، والطاعة؛ حتى صار سيئهم مكفرا ممحقا في جنب صالح أعمالهم.
الإعراب:{وَالَّذِينَ:} الواو: حرف عطف، أو حرف استئناف. (الذين): مبتدأ. وجوز القرطبي نصبه على الاشتغال بفعل محذوف. ورده ابن هشام بقوله: لأنّ {لَهُمْ} ليس متعلقا بالمصدر، وقال مكي: ويجوز في الكلام الرفع على الابتداء، و {لَهُمْ} الخبر، والجملة خبر عن