للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فائدة:

يحكى أن الشاعر ذا الرمة أردف أخاه خلفه، فعرضت لهما ظبية، فقال-وهذا هو الشاهد رقم [١٣٠] من كتابنا: «فتح رب البرية» -: [الطويل]

فيا ظبية الوعساء بين جلاجل... وبين النّقا آأنت أم أمّ سالم؟

فقال له أخوه: فلو تحسن التشبيه، والوصف لم تقل لشاة النقا: آأنت أم أمّ سالم؟ جعلت لها قرنين فوق جبينها، وظلفين مشقوقين تحت القوائم. فقال ذو الرمة: [الطويل]

هي الشّبه إلاّ مدرييها وأذنها... سواء وإلاّ مشقة في القوائم

مدرييها: تثنية مدرى، ومدراة، وهي المشط، والقرن، وهو المراد هنا.

ذكر الإمام القرطبي-رحمه الله تعالى-أن عيسى الهاشمي كان يحب زوجته حبا شديدا، فقال لها يوما: أنت طالق ثلاثا، إن لم تكوني أحسن من القمر، فاحتجبت عنه. وقالت: طلقتني. فحزن حزنا شديدا، وذهب إلى الخليفة المنصور، وأخبره الخبر، فاستحضر الفقهاء، واستفتاهم، فقال جميع من حضر: قد طلقت، إلا رجلا واحدا من أصحاب أبي حنيفة، فقد بقي ساكتا، فقال له المنصور: ما لك لا تتكلم؟ فقال له الرجل: يا أمير المؤمنين يقول الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} فليس شيء أحسن من الإنسان! فقال: صدقت. وردها إلى زوجها. انتهى.

ولقد أحسن الصابوني حيث قال في الرد على داروين ومن يقول بنظريته في تطور الإنسان.

بعد أن أورد الآية التي نحن بصدد شرحها، والآية رقم [٧٠] من سورة (الإسراء): فهل من تكريم الله لبني آدم أن يجعلهم من صنف القردة؟ وهل من تفضيله إياهم أن يلحق نسبهم بالقردة، أو يجعلهم من فصيلة الشمبانزي، والغوريلا؟

وإذا قلنا لأتباع داروين: يا بني القردة، والخنازير، فهل يرضوان عنا، أم سيغضبون؟! [الخفيف]

ربّ إنّ الهدى هداك وآيا... تك حقّ تهدي بها من تشاء

{ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ} أي: إلى أرذل العمر، وهو الهرم بعد الشباب، والضعف بعد القوة، ورددناه بعد ذلك التقويم، والتحسين أسفل من سفل في حسن الصورة، والشكل؛ حيث نكسناه في خلقه، فقوس ظهره بعد اعتداله، وابيض شعره بعد سواده، وتشنن جلده، وكلّ سمعه، وبصره، وتغير كل شيء منه، فمشيه دليف، وصوته خفات، وقوته ضعف، وشهامته خرق. قال تعالى في سورة (يس) رقم [٦٨]: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ،} وقال تعالى في سورة (النحل) رقم [٧٠]، وفي سورة (الحج) رقم [٥]: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً} وفي الحج: {مِنْ بَعْدِ}.

هذا؛ وقيل: المراد: رددناه إلى النار؛ لأنها دركات بعضها أسفل من بعض، فيكون في أقبح هيئة، وأبشع شكل، وأنتن رائحة بعد أن أكرمه الله في الدنيا بحسن الصورة، وجمال المنظر، وفضله على كثير مما خلق تفضيلا. وقال الآلوسي-رحمه الله تعالى-: والمتبادر من

<<  <  ج: ص:  >  >>