الشرح: المناسبة: لمّا ذكر الله تعالى أخذ الأموال بطريق السّعي في الأرض، والفساد؛ ذكر حكم السّارق من غير حراب. هذا؛ وقدّم الله السّارق على السّارقة هنا، وقدّم الزانية على الزّاني في سورة (النور)؛ لأنّ الرّجل على السّرقة أجرأ، والزنى من المرأة أشنع، وأقبح، فناسب ذكر كلّ منهما المقام. وقال ابن السائب: نزلت الآية في طعمة بن أبيرق، الّذي تقدّمت قصته في سورة (النساء). وقال القرطبيّ-رحمه الله تعالى-: بدأ الله في السّارق هنا؛ لأنّ حبّ المال من الرّجال أغلب، وشهوة الاستمتاع على النّساء أغلب، بدأ بهما في الموضعين. هذا؛ وقطعت اليد لأنّها آلة السّرقة، ولم تقطع آلة الزنى تفاديا عن قطع النّسل. هذا؛ والسارق هو الذي يأخذ المال من حرز مثله، وهذا بخلاف الأخذ جهرا، وعنوة، وقهرا، فإنّه تقدّم حكمه في الآية رقم [٣٣].
هذا؛ والسّارق الذي تقطع يده هو: البالغ، العاقل، العالم بتحريم السّرقة. فلو كان حديث عهد بالإسلام، ولا يعلم: أنّ السرقة حرام؛ فلا قطع عليه. والقطع يكون إذا كان المأخوذ ربع دينار، أو يساويه خفية؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم:«القطع في ربع دينار فصاعدا». أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة-رضي الله عنه-. وعن عائشة-رضي الله عنها-: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا تقطع يد السّارق إلاّ في ربع دينار فصاعدا». أخرجاه في الصّحيحين. والقطع يكون من الرّسغ؛ لأنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم أتي بسارق، فأمر بقطع يمينه منه، وإن كان يطلق لفظ اليد على تمام العضو.
والمراد بالأيدي: الأيمان.
{جَزاءً:} مجازاة، ومعاقبة، من: المجازاة، وهي: المكافأة على عمل ما، تكون في الخير، قال تعالى:{هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ} وتكون في الشرّ، قال تعالى:{وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ} فقد أراد جزاء الشرّ. والجزاء من جنس العمل، إن خيرا؛ فخير، وإن شرّا فشرّ، والفعل منه ينصب مفعولين، تقول: جزى زيد عمرا خيرا.