{نَكالاً مِنَ اللهِ:} عقوبة مفروضة من الله على من اجترأ على أموال النّاس بغير حقّ، فهي تنكل من اعتبر بها، أي: تمنعه من فعل المحرّمات، وتجاوز حدود الله. والنّكال: الزّجر، والعقاب، والنّكل، والأنكال: القيود، وسمّيت القيود أنكالا؛ لأنّها ينكّل بها، أي: يمنع.
والتنكيل: إصابة الأعداء بعقوبة تنكّل بهم من وراءهم؛ أي: تخوفهم، وتروّعهم. قال تعالى في سورة (النّازعات) في حقّ فرعون اللّعين: {فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى}. وقال تعالى في حقّ اليهود اللّؤماء في سورة (البقرة) رقم [٦٦]: {فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}.
والفعل: نكل به، ينكل من باب: قتل، نكلة قبيحة: أصابه بنازلة. ونكّل بالتّشديد مبالغة.
{وَاللهُ عَزِيزٌ} قوي في انتقامه ممّن عصاه. {حَكِيمٌ} فيما قضى، وحكم. قال الأصمعيّ- رحمه الله تعالى-: قرأت يوما هذه الآية: {وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ} وإلى جنبي أعرابيّ، فقلت: {وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} سهوا، فقال الأعرابي: كلام من هذا؟ قلت: كلام الله، قال: ليس هذا بكلام الله! أعد، فأعدت، وتنبّهت، فقلت: {وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} فقال: نعم هذا كلام الله، فقلت:
أتقرأ القرآن؟ قال: لا. قلت: فمن أين علمت أنّي أخطأت؟! فقال: يا هذا! عزّ، فحكم، فقطع، ولو غفر، ورحم؛ لما قطع. ومثله يذكر في الآية رقم [١١٨] من هذه السورة الكريمة.
تنبيه: اعترض، ويعترض بعض الملحدين على الشّريعة الغرّاء في قطع يد السّارق بالقليل من المال، ونظم أبو العلاء المعرّي في ذلك شعرا، فقال: [البسيط]
يد بخمس مئين عسجد وديت... ما بالها قطعت في ربع دينار؟
تحكّم ما لنا إلاّ السّكوت له... وأن نعوذ بمولانا من النّار
ولمّا قال ذلك، واشتهر عنه، تطلّبه الفقهاء، فهرب منهم، وقد أجابه النّاس في ذلك، فكان جواب القاضي عبد الوهاب المالكي-رحمه الله-أن قال: لما كانت أمينة؛ كانت ثمينة، ولما خانت؛ هانت. ويروى: أنّه أجابه شعرا بقوله: [البسيط]
عزّ الأمانة أغلاها وأرخصها... ذلّ الخيانة فافهم حكمة الباري
بعد هذا أذكر: أنّ بعض الغربيين، والملحدين من الشّرقيين يعيبون على الشّريعة الإسلامية قطع يد السارق، ويزعمون: أنّ هذه العقوبة صارمة، لا تليق بمجتمع متحضّر، ويقولون: يكفي في عقوبة السّارق السّجن ردعا له، وكان من أثر هذه الفلسفة المعوجّة؛ التي لا تستند على نطق سليم أن زادت الجرائم، وكثرت العصابات، وأصبحت السّجون غاصّة بالمجرمين، وقطّاع الطّريق، الذين يهدّدون الأمن، والاستقرار، يسرق السّارق، ويقتل القاتل، ويختلس المختلس، وهو آمن مطمئنّ لا يخشى شيئا إلا ذلك السّجن، الّذي يطعم فيه، ويكسى، فيقضي مدّة العقوبة، التي فرضها القانون الوضعي، ثمّ يخرج منه إلى الإجرام أميل، وعلى الشرّ أقدر، ولا سيما إذا