أعطى قسطا للقضاء من المال الذي سرقه، ونهبه في هذا الزمن. يؤكّد هذا ما نقرؤه، ونسمعه عن تعداد الجرائم، وزيادتها يوما بعد يوم، وذلك لقصور العقل البشري عن الوصول إلى الدّواء النّاجع، والشّفاء النافع لمعالجة هذه الأمراض الخطيرة، أمّا الإسلام؛ فقد استطاع أن يقتلع الشّرّ من جذوره، ويد واحدة تقطع كافية لردع المجرمين، انظر قوله تعالى في سورة (البقرة) رقم [١٧٩]: {وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ} تجد ما يسرّك، ويثلج صدرك.
تنبيه: قوله تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما} المراد به: المثنّى؛ لأنّ المقصود يد السّارق، ويد السّارقة، وقد جمع المضاف في محل المثنّى، وقد تكلّم السّيوطي-رحمه الله تعالى-على هذه المسألة في كتابه:(همع الهوامع) الذي شرحت شواهده، وأعربتها، وأرجو من الله أن يمنّ عليّ بالتوفيق لطباعته، وها أنا ذا أنقل لك ما قاله بالحرف؛ لتكون على بينة من أمرك.
قال رحمه الله تعالى: الأصل في كلام العرب دلالة كلّ لفظ على ما وضع له، فيدل المفرد على المفرد، والمثنى على اثنين، والجمع على الجمع، وقد يخرج الكلام عن هذا الأصل، وذلك قسمان: مسموع، ومقيس.
فالأول: ما ليس جزءا ممّا أضيف إليه. سمع: ضع في رحالهما. يريد في اثنين، وديناركم مختلفة، أي: دنانيركم، وعيناه حسنة، أي: حسنتان، وأورد أربعة أبيات شعرية شاهدا لذلك، قال: ومنه لبّيك، وإخوته، فإنّه مثنى، وضع موضع الجمع، وقالوا: شابت مفارقه، وليس له إلا مفرق واحد، وعظيم المناكب، وغليظ الحواجب، والوجنات، والمرافق، وعظيمة الأوراك، فكل هذا مسموع، لا يقاس عليه، وقاسه الكوفيّون، وابن مالك إذا أمن اللّبس، وهو ماش على قاعدة الكوفيين من القياس على الشّاذّ، والنادر. قال أبو حيّان: ولو قيس على شيء من هذا؛ لالتبست الدّلالات، واختلطت الموضوعات.
والثاني: ما أضيف إلى متضمّنه، وهو مثنى لفظا، نحو قطعت رءوس الكبشين، أي:
رأسيهما، أو معنى، نحو قول الشاعر:[الطويل]
رأيت بني البكريّ في حومة الوغى... كفاغري الأفواه عند عرين
فإنّ مثل ذلك ورد فيه الجمع، والإفراد، والتثنية، فمن الأول قوله تعالى في سورة (التحريم): {إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما،} والآية الكريمة التي نحن بصدد شرحها. ومن الإفراد قراءة الحسن قوله تعالى في سورة (طه) رقم [١٢١] وفي ثلاث آيات من سورة (الأعراف): (فبدت لهما سوأتهما) ومن التثنية قراءة من قرأ: «(فبدت لهما سوأتاهما)»، وقراءة الجمهور من الأوّل:«فبدت لهما سوأتهما» فطرد ابن مالك قياس الجمع، والإفراد أيضا لفهم المعنى، وخصّ الجمهور القياس بالجمع، وقصروا الإفراد على ما سمع، وورد، وإنّما وافق