الشرح:{وَكَأَيِّنْ:} أصلها «أي» الاستفهامية، دخلت عليها كاف التشبيه، فصارت بمعنى «كم» الخبرية التكثيرية، وهي كناية عن عدد مبهم، مثل «كم» و «كذا»، وفيها خمس لغات، كلها قرئ بها: إحداها: (كأيّن)، وهي الأصل، وبها قرأ الجماعة، إلا ابن كثير، والثانية:(كائن) بوزن كاعن، وبها قرأ ابن كثير وجماعة، وهي أكثر استعمالا من:(كأيّن)، وإن كانت الأصل، وهو كثير في الشعر العربي، الثالثة:(كئين) بوزن كريم، الرابعة:(كيئن) بياء ساكنة، وهمزة مكسورة، الخامسة:(كأن) بوزن كفن. هذا؛ والجلال المحلي اعتبر (كأيّن) بسيطة غير مركبة، وأن آخرها نون من نفس الكلمة لا تنوين؛ لأن هذه الدعاوى المتقدمة لا يقوم عليها دليل، والشيخ-رحمه الله تعالى-سلك في ذلك الطريق الأسهل، والنحويون ذكروا هذه الأشياء محافظة على أصولهم مع ما ينضم إلى ذلك من الفوائد، وتشحين الذهن، وتمرينه. انتهى. جمل.
{دَابَّةٍ:} تشمل كل ما يدب على وجه الأرض من إنسان، وحيوان، وطير، وحشرة، وغيرها.
هذا وسبب نزول الآية الكريمة: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما أمر المسلمين بالهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المشرفة حين آذاهم المشركون؛ قالوا: كيف نخرج إلى المدينة، وليس لنا بها دار، ولا مال؟ فمن يطعمنا، ويسقينا؟! فأنزل الله:{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ..}. إلخ.
والمعنى: كثير من الدواب لا تطيق حمل رزقها لضعفها، أو لا تدخره، وإنما تصبح، ولا معيشة عندها، ثم إنها مع ضعفها، وتوكلها يرزقها الله، وإياكم مع قوتكم، واجتهادكم، فأنتم سواء في أن يرزق الله الجميع من فضله، وكرمه، وجوده، و {هُوَ الرَّزّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ،} فلا تخافوا على معاشكم بالهجرة، فإن الله يرزقكم.
فقد سوى الله بين الحريص، والمتوكل في الرزق، وبين الراغب، والقانع، وبين الجلد، والعاجز. يعني: أن الجلد لا يتصور: أنه مرزوق بجلده؛ ولا يتصور العاجز: أنه ممنوع من الرزق بعجزه. انتهى. قرطبي بتصرف.
وعن عمر-رضي الله عنه-قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لو أنكم تتوكّلون على الله حقّ توكّله لرزقكم، كما يرزق الطّير تغدو خماصا، وتروح بطانا». أخرجه الترمذي. ومعناه أن الطير تذهب أول النهار جياعا ضامرة البطون، وتروح آخر النهار إلى أوكارها شباعا ممتلئة البطون، ولا تدخر شيئا. قال سفيان بن عيينة: ليس شيء من خلق الله يخبئ طعامه إلا الإنسان، والفأرة، والنملة، وعن بعضهم رأيت البلبل يحتكر في محضنه، ويقول: للعقعق مخابئ إلا أنه