للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخامس: التفصيل، وجعل منه الآية التي نحن بصدد شرحها. انتهى. مغني اللبيب باختصار. أقول: والتفصيل هو المعنى الذي لا يفارقها مع كل من المعاني السابقة.

الإعراب: {إِنّا:} (إنّ): حرف مشبه بالفعل، و (نا): اسمها، حذفت نونها، وبقيت ألفها دليلا عليها. {هَدَيْناهُ:} فعل، وفاعل، ومفعول به أول. {السَّبِيلَ:} مفعول به ثان، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إن)، والجملة الاسمية تعليل لقوله: (نبتليه) لا محل لها. {إِمّا:}

أداة شرط، وتفصيل. {شاكِراً:} حال من الضمير المنصوب، وأجاز الزمخشري اعتباره حالا من {السَّبِيلَ،} وتبعه البيضاوي، والنسفي على ذلك. {وَإِمّا كَفُوراً:} معطوف على ما قبله، وقال البيضاوي: ووصف {السَّبِيلَ} بذلك مجاز.

{إِنّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً (٤)}

الشرح: {إِنّا أَعْتَدْنا:} هيأنا في جهنم. {لِلْكافِرِينَ:} جمع: كافر، والكفر ستر الحق بالجحود، والإنكار. وكفر فلان النعمة، يكفرها كفرا، وكفورا، وكفرانا: إذا جحدها، وسترها، وأخفاها. قال تعالى في سورة (إبراهيم) على نبينا، وحبيبنا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ} رقم [٧] ومثل هذه الآية كثير.

وكفر الشيء: ستره، وغطاه، وسمي الكافر كافرا؛ لأنه يغطي نعم الله بجحدها، وعبادته غيره.

وسمي الزارع كافرا؛ لأنه يلقي البذر في الأرض، ويغطيه، ويستره بالتراب. قال تعالى في تشبيه حال الدنيا: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَباتُهُ} رقم [٢٠] من سورة (الحديد). وسمي الليل كافرا؛ لأنه يغطي، ويستر كل شيء بظلمته. قال لبيد بن ربيعة الصحابي في معلقته رقم [٦٥]: [الكامل]

حتّى إذا ألقت يدا في كافر... وأجنّ عورات الثّغور ظلامها

هذا؛ ويطلق لفظ الكافر على النهر. قال المتلمس حين ألقى الصحيفة في النهر: [الطويل]

وألقيتها بالثّني من جنب كافر... كذلك ألقي كلّ رأي مضلّل

رضيت لها بالماء لمّا رأيتها... يجول بها التّيّار في كلّ جدول

{سَلاسِلَ:} جمع: سلسلة، وهي القيد، طول كل سلسلة سبعون ذراعا. انظر ما ذكرته في سورة (الحاقة) رقم [٣٢] تجد ما يسرك، ويثلج صدرك. ويقرأ: «(سلاسلا)» منونا وهي قراءة حفص عن عاصم، والباقون بغير تنوين، ومثله: (قواريرا) في الآية رقم [١٦] فمن صرف؛ فله أربع حجج:

أحدها: أن الجموع أشبهت الآحاد، فجمعت جمع الآحاد، فجعلت في حكم الآحاد، فصرفت.

الثانية: أن الأخفش حكى عن العرب صرف جميع ما لا ينصرف إلا (أفعل) التفضيل. وكذا قال الكسائي، والفراء، وأنشد ابن الأنباري في ذلك قول عمرو بن كلثوم في معلقته رقم [٤٦]: [الوافر]

<<  <  ج: ص:  >  >>