للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِشِمالِهِ لإمكان الجمع بينهما بأن تغل يمناه إلى عنقه، وتجعل يسراه وراء ظهره؛ بأن تخلع يده اليسرى من موضعها، فتجعل وراء ظهره. وقيل: يحتمل أن يكون بعضهم يعطى كتابه بشماله، وبعضهم من وراء ظهره، وعند ما يؤتى كتابه من غير يمينه يعلم: أنه من أهل النار، فيقول:

واثبوراه تعال! فهذا أوانك، وحينك. روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أنه قال: «أول من يقوله إبليس، وذلك أنه أوّل من يكسى حلّة من النّار، فتوضع على حاجبيه، ويسحبها من خلفه، وذرّيّته من خلفه، وهو يقول: واثبوراه!».

فعن عائشة-رضي الله عنها-قالت: ذكرت النار، فبكيت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ما يبكيك؟». قلت: ذكرت النار، فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال: «أمّا في ثلاثة مواطن؛ فلا يذكر أحد أحدا: عند الميزان؛ حتى يعلم أيخفّ ميزانه، أم يثقل؟ وعند تطاير الصّحف؛ حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه، أم وراء ظهره؟ وعند الصّراط إذا وضع بين ظهري جهنم؛ حتّى يجوز». ثم إن كان هذا في الكفرة، وما قبله في المؤمنين المتقين؛ فلا تعرض هنا للعصاة، كما ذهب إليه أبو حيان. وقيل: إنه لا بعد في إدخالهم في أهل اليمين، إما؛ لأنهم يعطون كتبهم في اليمين بعد الخروج من النار، أو قبله فرقا بينهم وبين الكفرة. هذا؛ والثبور:

الهلاك، والخسار، والدمار. فهو يتمنى الهلاك، والموت. {وَيَصْلى سَعِيراً} أي: يحترق في النار، فهو كقوله تعالى في سورة (الواقعة): {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ،} وقوله تعالى في سورة (المطففين): {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ} وانظر شرح (وراء) في الآية رقم [٢٧] من سورة (الدهر).

وانظر شرح الكتاب في الآية رقم [٢] من سورة (الأحقاف) تجد ما يسرك، ويثلج صدرك.

الإعراب: {وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ:} إعراب هذا الكلام مثل إعراب سابقه بلا فارق، و {وَراءَ} منصوب بنزع الخافض؛ أي: من وراء. {يَدْعُوا:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الواو للثقل، والفاعل مستتر تقديره: «هو»، يعود إلى {مَنْ}. {ثُبُوراً:}

مفعول به. وقيل: هو مفعول مطلق عامله محذوف؛ أي: ثبرنا ثبورا. قاله الزجاج. وقال أبو البقاء: عامله: يدعو من غير لفظه. وانظر سورة (الفرقان) رقم [١٣]، والجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو (من). {وَيَصْلى:} الواو: حرف عطف. (يصلى): فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف، والفاعل يعود إلى {مَنْ} أيضا. {سَعِيراً:} مفعول به. والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها فهي في محل رفع مثلها.

{إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥)}

الشرح: قال ابن زيد-رحمه الله تعالى-: وصف الله أهل الجنة بالمخافة، والحزن، والبكاء، والشفقة في الدنيا، فأعقبهم به النعيم، والسرور في الآخرة، وقرأ قوله تعالى في سورة

<<  <  ج: ص:  >  >>