للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلخ مستأنفة لا محل لها؛ لأنها جواب سؤال مقدر. انتهى. جمل، وقال أبو البقاء: هي في محل نصب حال من: {إِبْلِيسَ} وعليه: فالرابط الواو، ورجوع الضمير عليه.

{قالَ ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢)}

الشرح: {قالَ:} القائل هو الله تعالى. {ما مَنَعَكَ..}. إلخ: أي: أي شيء منعك من السجود في الوقت الذي أمرتك به. {قالَ} أي: إبليس. وانظر «القول» في الآية رقم [٥]. {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ:} وهي جوهر نوراني. {وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} أي: وهو جسم كثيف ظلماني، وقد أخطأ الخبيث، بل الطين أفضل لرزانته، ووقاره، ومنه الحلم، والحياء، والصبر، وذلك داع إلى التوبة، والاستغفار. وفي النار الطيش، والحدة، والترفع، وذلك داع إلى الاستكبار.

والتراب عدة الممالك، والنار عدة المهالك، والنار مظنّة الخيانة والإفناء، والتراب مئنة الأمانة، والإنماء، والطين يطفئ النار، ويتلفها، والنار لا تتلفه، وهذه فضائل غفل عنها إبليس، حتى زل بفاسد من المقاييس. انتهى نسفي.

تنبيه: قال الله تعالى هنا: {ما مَنَعَكَ} وفي سورة (الحجر): {قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاّ تَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ} وفي سورة (ص): {ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} واختلاف العبارات عند الحكاية يدل على أن اللعين قد أدرج في معصية واحدة ثلاث معاص: مخالفة الأمر، ومفارقة الجماعة، والاستكبار مع تحقير آدم، وقد وبخ على كلّ منها، لكن اقتصر عند الحكاية في كل موطن على ما ذكر فيه اكتفاء بما ذكر في موطن آخر، وقد تركت حكاية التوبيخ رأسا في سورة (البقرة)، و (الإسراء)، و (الكهف)، و (طه). انتهى نقلا من أبي السعود.

{خَيْرٌ:} أفعل تفضيل، أصله: أخير، نقلت حركة الياء للخاء؛ لأن الحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، ثم حذفت الهمزة استغناء عنها بحركة الخاء. ومثله قل في: حبّ وشرّ اسمي تفضيل؛ إذ أصلهما: أحبب، وأشرر، فنقلت حركة الباء الأولى، والراء الأولى إلى ما قبلهما، ثم أدغم الحرفان المتماثلان في بعضهما، ثم حذفت الهمزة من أولهما استغناء عنها بحركة الخاء، والشين. وقد يستعمل خير وشر على الأصل، كقراءة بعضهم قوله تعالى:

{سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذّابُ الْأَشِرُ} بفتح الشين، ونحو قول رؤبة بن العجاج: [الرجز]

يا قاسم الخيرات وابن الأخير... ما ساسنا مثلك من مؤمّر

وخير، وشر، وحب يستعملن بصيغة واحدة للمذكر، والمؤنث، والمفرد، والمثنى، والجمع؛ لأنها بمعنى أفعل، كما رأيت. {نارٍ:} أصله نور، تحركت الواو وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، وهي من المؤنث المجازي، وقد تذكر، وتصغيرها: نويرة، والجمع: أنور،

<<  <  ج: ص:  >  >>