للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاِتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً (٦٣)}

الشرح: {قالَ:} يوشع عليه السّلام. {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ} أي: أتذكر حالنا وقت التجأنا إلى الصخرة، ونمت عندها، وهي في المكان الموعود للقاء الرجل الذي ننشده، وإن الحوت قد حيي، وذهب في البحر شاقا طريقه فيه، وقد أبصرته، ولكني نسيته، ومراده بالاستفهام تعجب موسى عليه السّلام ممّا اعتراه هناك من النسيان مع كون ما شاهده من حياة الحوت من العظائم التي لا تنسى، وقد جعل فقدانه علامة لوجدان المطلوب. وهذا أسلوب معتاد فيما بين الناس، يقول أحدهم لصاحبه: إذا نابه خطب: أرأيت ما نابني؟! يريد بذلك تهويله، وتعجيب صاحبه منه، وأنه ممّا لا يعهد وقوعه. انتهى جمل بتصرف.

{وَما أَنْسانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} أي: ما أنساني ذكره إلا الشيطان، فهو اعتذار عن نسيانه بشغل الشيطان له بوساوسه، والحال وإن كانت عجيبة لا ينسى مثلها، لكنّه لمّا عرف أمثالها، وشاهده من معجزات موسى عليه السّلام، وهي كثيرة؛ قلّ اهتمامه بها، أو لعله نسي ذلك لاستغراقه في التفكر، وانجذاب قلبه إلى عالم القدس، بما عراه من مشاهدة الآيات الباهرة، وإنما نسب النسيان للشيطان هضما لنفسه، وتوبيخا لها. {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ:} طريقه. {فِي الْبَحْرِ عَجَباً:} روي في بعض الأخبار: كان البحر للحوت سربا، ولموسى ولفتاه عجبا. وقيل: أي:

شيء أعجب من حوت يؤكل منه دهرا. ثم صار حيا بعد أن أكل بعضه؟! هذا؛ وانظر شرح النسيان في الآية رقم [٢٤] وشرح (إبليس) وجنوده في الآية رقم [٥١] وشرح: {سَبِيلاً} في الآية رقم [٤٢] من سورة (الإسراء) وشرح العجب في الآية رقم [٩].

الإعراب: {قالَ:} ماض، وفاعله يعود إلى فتى موسى. {أَرَأَيْتَ:} الهمزة: حرف استفهام، وتنبيه. (رأيت): فعل، وفاعل، ومفعولاه محذوفان، التقدير: أرأيت أمرنا ما عاقبته؟ هذا؛ وقدر البيضاوي الكلام كما يلي: أرأيت ما دهاني؟ وتكون الجملة الاستفهامية قد سدت مسد المفعولين. {إِذْ:} ظرف لما مضى من الزمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بالفعل {أَرَأَيْتَ} على التقدير الأول، ومتعلق بالفعل: دهاني على التقدير الثاني.

{أَوَيْنا:} فعل، وفاعل، {إِلَى الصَّخْرَةِ:} متعلقان بالفعل قبلهما، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذْ} إليها. {فَإِنِّي:} الفاء: حرف عطف، وسبب. (إني): حرف مشبه بالفعل، وياء المتكلم اسمها. {نَسِيتُ:} فعل، وفاعل. {الْحُوتَ:} مفعول به، والجملة الفعلية في محل رفع خبر (إنّ)، والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها، ومتسببة عنه. وقيل: تعليل للدهشة التي اعترتهما ممّا نابهما، والمعنى لا يؤيده. {وَما:} الواو: واو الاعتراض. (ما): نافية.

<<  <  ج: ص:  >  >>