{قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦)}
الشرح:{قُلْ:} هذا خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم. {أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ:} هذا خطاب للنّصارى الذين ألّهوا عيسى، على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. والمعنى: يا محمد! قل لهؤلاء النصارى: أتعبدون من دون الله. {ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً} أي: لا يستطيع أن يضرّكم بمثل ما يضرّكم الله به من البلايا، والمصائب في الأنفس، والأموال، ولا يقدر أن ينفعكم بمثل ما ينفعكم به الله من صحّة الأبدان، وسعة الأرزاق، فإنّ الضار، والنافع هو الله تعالى، لا من تعبدون من دونه، ومن لا يقدر على النّفع، والضّرّ لا يكون إلها. قال في البحر:
لمّا بيّن الله بدليل النقل، والعقل انتفاء الألوهية عن عيسى عليه السّلام، ودعاهم للتوبة، وطلب الغفران؛ أنكر عليهم، ووبّخهم من وجه آخر، وهو عجز عيسى عن دفع ضرر، وجلب نفع، وأنّ من كان لا يدفع عن نفسه حريّ أن لا يدفع عنكم.
هذا؛ و «العبادة» غاية التذلّل، ولا يستحقّها إلا من له غاية الإفضال، وهو الله تعالى، ولذلك يحرم السّجود لغير الله تعالى. وقيل: العبودية أربعة: الوفاء بالعهود، والرّضا بالموجود، والحفظ للحدود، والصّبر على المفقود. وانظر شرح:{دُونِ} في الآية رقم [١١٦] من سورة (النّساء).
هذا؛ وإنّما قال، وكنى عن عيسى-عليه السّلام-بما دوّن من التحقيق ما هو المراد من كونه بمعزل عن الألوهية رأسا ببيان انتظامه-عليه السّلام-في سلك الأشياء؛ الّتي لا قدرة لها على شيء أصلا. وانظر مثلها في الآية رقم [٣] من سورة (النساء) والآية الأخيرة من هذه السّورة.
هذا؛ وقد قال بعض المحققين في قوله تعالى:{قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ..}. إلخ: إذا كان عيسى-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-لا يملك ضرّا، ولا نفعا لأحد؛ فما بالك بوليّ من الأولياء؛ هل يملك لغيره نفعا، أو ضرّا؟! والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{قُلْ} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: أنت. {أَتَعْبُدُونَ:} الهمزة: حرف استفهام وتوبيخ. (تعبدون): فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، والجملة الفعلية في محل نصب مقول القول، وجملة:{قُلْ..}. إلخ مستأنفة، لا محلّ لها. {مِنْ دُونِ:} متعلقان بما قبلهما، و {دُونِ:} مضاف، و {اللهِ:} مضاف إليه. {ما:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل نصب مفعول به. {لا:} نافية. {يَمْلِكُ:} فعل مضارع، وفاعله يعود إلى (ما)، والمراد به عيسى كما رأيت، وهو العائد. {لَكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بما قبلهما.