بعد هذا انظر شرح {يَسْمَعُ} في الآية رقم [٤٥] من سورة (الأنبياء). بقي أن تعلم: أن التغيظ يرى بظهوره على وجه المغتاظ، ولا يسمع، والزفير يسمع؛ لأنه صوت يخرج من الصدر حتى تنتفخ منه الضلوع، فكيف جمع بينهما في السماع؟! وهو مؤول على أن المعنى: رأوا لها تغيظا، وسمعوا لها زفيرا. قال الشاعر:[مجزوء الكامل]
ورأيت زوجك في الوغى... متقلّدا سيفا ورمحا
أي: وحاملا رمحا؛ لأن الرمح لا يتقلد. ولنا كلام طويل في آية (الحشر) في قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَالْإِيمانَ} إن شاء الله تعالى، والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.
الإعراب:{إِذا:} ظرف لما يستقبل من الزمان، خافض لشرطه، منصوب بجوابه، صالح لغير ذلك، مبني على السكون في محل نصب. {رَأَتْهُمْ:} ماض مبني على فتح مقدر على الألف المحذوفة، لالتقائها ساكنة مع تاء التأنيث التي هي حرف لا محل له، والفاعل يعود إلى {سَعِيراً} وانظر الشرح، والهاء مفعول به، والجملة الفعلية في محل جر بإضافة {إِذا} إليها على القول المشهور المرجوح. {مِنْ مَكانٍ:} متعلقان بالفعل قبلهما، وقيل: متعلقان بمحذوف حال، ولا وجه له. {بَعِيدٍ:} صفة (مكان). {سَمِعُوا:} ماض، وفاعله، والألف للتفريق. {لَها:}
متعلقان به، أو هما متعلقان بمحذوف حال مما بعدها، كان صفة له، فلما قدم عليه صار حالا.
{تَغَيُّظاً:} مفعول به. (زفيرا): معطوف على ما قبله، وانظر الشرح، وجملة:{سَمِعُوا..}. إلخ جواب {إِذا،} لا محل لها، و {إِذا} ومدخولها في محل نصب صفة {سَعِيراً}.
الشرح:{وَإِذا أُلْقُوا مِنْها} أي: من النار. {مَكاناً ضَيِّقاً:} قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: تضيق عليهم النار، كما يضيق الزّج في الرمح. هذا؛ وإن الكرب يشتد مع الضيق، كما أن الراحة، والهدوء، والطمأنينة تزيد مع السعة؛ ولذلك وصف الله الجنة بأن عرضها السموات والأرض. {مُقَرَّنِينَ:} قرن بعضهم مع بعض بحسب مشاركتهم في العقائد، والأعمال، لقوله تعالى:{وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ،} أو قرنوا مع الشياطين لقوله تعالى: {اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ} أي: قرناءهم من الشياطين، أو قرنوا مع ما اكتسبوا من العقائد الزائفة، والملكات الباطلة، لقوله تعالى:{وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ..}. إلخ. أو المعنى قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال، ومعنى {مُقَرَّنِينَ:} مشدودين في الأغلال والقيود، قال عمرو بن كلثوم في معلقته:[الوافر]