للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٢٧) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٩)}

الشرح: {إِنْ هُوَ} أي: القرآن الذي أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم. {إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ:} موعظة للخلق أجمعين. {لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} أي: يتبع الحق، ويقيم عليه، وينتفع به، فكأنه لم يوعظ به غيره، وإن كان الناس جميعا موعوظين به. ثم بين الله جلت قدرته: أن مشيئة العبد موقوفة بمشيئته، فقال تعالى: {وَما تَشاؤُنَ..}. إلخ: أعلمهم الله: أن المشيئة في التوفيق للاستقامة إليه، وأنهم لا يقدرون على ذلك إلا بمشيئة الله، وتوفيقه. وفيه إعلام: أن أحدا لا يعمل خيرا إلا بتوفيق الله تعالى، ولا يعمل شرا إلا بخذلانه، ومشيئته.

يروى: أن أبا جهل-لعنه الله-قال لما نزل قوله تعالى: {لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} الأمر إلينا إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فنزل قوله تعالى: {وَما تَشاؤُنَ..}. إلخ. قال الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: والله ما شاءت العرب الإسلام حتى شاءه الله لها! وقال وهب بن منبه: قرأت في سبعة وثمانين كتابا مما أنزل الله على الأنبياء: من جعل إلى نفسه شيئا من المشيئة؛ فقد كفر.

وخذ قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ} الآية رقم [١١١] من سورة (الأنعام). وقال تعالى: {وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ} الآية رقم [١٠٠] من سورة (يونس) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام، والآي في هذا كثير، وكذلك أحاديث النبي صلّى الله عليه وسلّم تبين أن الهداية هداية الله تعالى.

هذا؛ وانظر شرح (العالمين) في الآية رقم [٥٢] من سورة (القلم)، وشرح {أَرادَ} و {شاءَ} في الآية رقم [١٠] من سورة (الجن)، وشرح لفظ الجلالة في الآية رقم [٣] من سورة (نوح) على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام. أما {يَسْتَقِيمَ} فأصله: (يستقوم) فقل في إعلاله: اجتمع معنا حرف صحيح ساكن، وحرف علة متحرك، والحرف الصحيح أولى بالحركة من حرف العلة، فنقلت حركة الواو إلى القاف قبلها، فصار (يستقوم) ثم قلبت الواو ياء لمناسبة الكسرة، فصار: يستقيم.

الإعراب: {إِنْ:} حرف نفي بمعنى: ما. {هُوَ:} ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. {إِلاّ:} حرف حصر. {ذِكْرٌ:} خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها. {لِلْعالَمِينَ:} جار ومجرور متعلقان ب‍: {ذِكْرٌ،} أو بمحذوف صفة له، وعلامة الجر الياء نيابة عن الكسرة؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد.

{لِمَنْ:} جار ومجرور بدل من للعالمين بإعادة الجار. {شاءَ:} فعل ماض، والفاعل يعود إلى (من)، وهو العائد. والجملة الفعلية صلة الموصول، لا محل لها. {مِنْكُمْ:} جار ومجرور

<<  <  ج: ص:  >  >>