وحفظوا عهدي بالغيب؟ فيقومون كأن وجوههم البدر، والكوكب الدّرّي ركبانا على نجب من نور، أزمتها الياقوت، تطير بهم على رءوس الخلائق، حتى يقوموا بين يدي العرش، فيقول الله عز وجل لهم:«السّلام على عبادي الذين أطاعوني، وحفظوا عهدي بالغيب، أنا اصطفيتكم، وأنا اجتبيتكم وأنا اخترتكم، اذهبوا فادخلوا الجنة بغير حساب، و {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ» فيمرون على الصراط كالبرق الخاطف، فتفتّح لهم أبوابها، ثم إن الخلق في المحشر موقوفون، فيقول بعضهم لبعض: يا قوم أين فلان وفلان؟ وذلك حين يسأل بعضهم بعضا فينادي مناد:{إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ}. انتهى. قرطبي.
وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: شغلوا بافتضاض الأبكار، وسماع الأوتار عن أهليهم من أهل النار، لا يذكرونهم؛ لئلا يتنغصوا. وقال أبو حيان: والظاهر: أن الشغل هو النعيم؛ الذي قد شغلهم عن كل ما يخطر بالبال، وهذا أولى وأقوى.
و:{تَفَكَّهُونَ:} مسرورون، ناعمون، فرحون، وقرئ: «(فكهون)» و «(فكهين)» وفي تنكير {شُغُلٍ} وإبهامه، تعظيم لما هم فيه من البهجة، والتلذذ، وتنبيه على أنه مما لا يحيط به الأفهام، ولا يعرب عن كنهه الكلام. هذا؛ وقرئ:{شُغُلٍ} بضم الغين، وسكونها، وهي قاعدة عربية. قال عيسى بن عمر: كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم وأوسطه ساكن، فمن العرب من يخففه، ومنهم من يثقله. وذلك مثل: رسل، وعسر، ويسر، وأسد، ورحم... إلخ، ولا تنس: أن الله تبارك وتعالى لما أخبر عن حال المجرمين، ومآلهم؛ أخبر عن حال الأبرار المتقين، ومآلهم. وتلك سنة اقتضتها حكمة الحكيم العليم، ورحمته في كتابه الكريم بأن لا يذكر التكذيب من الكافرين والمنافقين؛ إلا ويذكر التصديق من المؤمنين، ولا يذكر الإيمان؛ إلا ويذكر الكفر، ولا يذكر الجنة، ونعيمها؛ إلا ويذكر النار، وجحيمها، ولا يذكر الرحمة؛ إلا ويذكر الغضب، والسخط؛ ليكون المؤمن راغبا راهبا، خائفا راجيا. وهذا ما يسمى بالمقابلة.
الإعراب:{إِنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {أَصْحابَ:} اسم (إنّ) وهو مضاف، و {الْجَنَّةِ} مضاف إليه. {الْيَوْمَ:} ظرف زمان متعلق ب: {تَفَكَّهُونَ}. وقيل: متعلق بمحذوف حال، ولا وجه له. {فِي شُغُلٍ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر أول، وأجيز تعليقهما بما بعدهما.
{تَفَكَّهُونَ:} خبر مرفوع، وعلامة رفعه الواو... إلخ، والجملة الاسمية:{إِنَّ أَصْحابَ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.
الشرح:{هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ:} في ظلال الجنان الوارفة؛ حيث لا شمس فيها، ولا زمهرير، و {ظِلالٍ} جمع: ظلة، مثل: قباب جمع: قبة، أو جمع: ظل، مثل: شعاب