مفيدة للتّحقيق؛ أي أنتم أحقّ بتقوى الله من جميع المخلوقات، أقول: والتعليل أقوى لعطف مثلها على التعليل في الآيتين رقم [١٥٠] و [١٨٤]:
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)}
الشرح: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً} {جَعَلَ} من الأفعال العامة، يجيء على ثلاثة أوجه: يأتي بمعنى: أخذ، طفق، فيكون من أفعال الشّروع، فلا يتعدى، كقول الشاعر: [الطويل]
وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة... لضغمهماها يقرع العظم نابها
وأيضا قول رجل من بني بحتر بن عتود، وهو الشاهد رقم [٤٢٥] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الوافر]
وقد جعلت قلوص بني سهيل... من الأكوار مرتعها قريب
ويأتي بمعنى: أوجد، وخلق، فيتعدّى لواحد، ومنه قوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ} ويأتي بمعنى: صير، كما في الآية، فيتعدّى لمفعولين، ويأتي بمعنى: سمّى، فيتعدّى لمفعولين أيضا، كما في قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً} أي: سمّوهم إناثا، وقال القرطبي: وقد تأتي زائدة، كما في قول الآخر: [البسيط]
وقد جعلت أرى الاثنين أربعة... والواحد اثنين لمّا هدّني الكبر
وعند التأمّل يتبيّن لك: أنّ المعنى: «قد صرت أرى... إلخ».
{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَاُدْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣)}
الشرح: {كُنْتُمْ:} أصله كونتم، فقل في إعلاله: تحركت الواو وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، فالتقى ساكنان: الألف وسكون النون، فحذفت الألف فصار (كنتم) بفتح الكاف، ثم أبدلت الفتحة ضمة لتدل على الواو المحذوفة، فصار (كنتم)، وهناك إعلال آخر، وهو أن تقول: أصل الفعل كون، فلما اتصل بضمير رفع متحرك نقل إلى باب فعل، فصار «كونت» ثم نقلت حركة الواو إلى الكاف قبله، صار «كونت» فالتقى ساكنان: العين المعتلة ولام الفعل، فحذفت العين، وهي الواو لالتقائهما فصار «كنت» وهكذا قل في إعلال كل فعل أجوف واوي.
مسندا إلى ضمير رفع متحرك، مثل: قال وقام وغيرهما. {رَيْبٍ:} انظر الآية رقم [٢]. {عَبْدِنا:}
المراد به: سيد الرسل محمد صلّى الله عليه وسلّم، فكنى عنه بالعبودية، وهي مقام عظيم، والإضافة للتشريف،