للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وتنويه بذكره، وتنبيه على أنه مختص به، منقاد لحكمه تعالى»، ولم يذكر عليه الصلاة والسّلام باسمه الصريح في القرآن إلا قليلا؛ ذكر باسم محمد في سورة آل عمران، وسورة الأحزاب، وسورة محمد، وسورة الفتح، وذكر باسم أحمد في سورة الصف، وذكر باسم طه في سورة طه، وذكر باسم ياسين في سورة (يس)، وانظر «نا» في الآية [٥٢]. {فَأْتُوا:} فعل أمر ماضيه أتى يأتي، وهذا الفعل يستعمل لازما إن كان بمعنى حضر وأقبل، ومتعديا إن كان بمعنى وصل وبلغ، فمن الأول قوله تعالى: {أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} ومن الثاني قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظّالِمُونَ}. وأصل الأمر «اأتيوا» بهمزتين، الأولى للوصل، وهي مكسورة، فإذا انفتح ما قبلها قلبت ألفا كما في هذه الآية، فإذا بدأت بها قلبت الثانية ياء، فتقول: ايتيوا، ثم حذفت لام الفعل على نحو ما رأيت في «لَقُوا» في الآية رقم [١٤]. {بِسُورَةٍ:} هي الطائفة من القرآن، محتوية على أنواع من العلم، احتواء سور المدينة على ما فيها، أو من السّورة، وهي الرتبة، لأن السور كالمراتب والمنازل، يرتقي فيها القارئ، ولها مراتب في الطول، والقصر، والفضل، والشرف، وثواب القراءة. قال النابعة: [الطويل]

ألم تر أن الله أعطاك سورة... ترى كل ملك دونها يتذبذب

والحكمة في تفصيل القرآن، وتقطيعه سورا كثيرة، منها: أن الجنس إذا انطوت تحته أنواع، واشتمل على أصناف؛ كان أحسن من أن يكون بيانا واحدا، ومنها أن القارئ إذا ختم سورة، ثم أخذ في أخرى؛ كان أنشط له وأبعث على القراءة منه لو استمر على القرآن بطوله، ومن ثم جزأ القراء القرآن أسباعا، وأجزاء، وعشورا، وأخماسا، ومنها أن الحافظ إذا حفظ سورة؛ اعتقد:

أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة بنفسها، لها فاتحة وخاتمة، فيعظم عنده ما حفظه، ويجل في نفسه، ومنه حديث أنس-رضي الله عنه-: «كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جلّ فينا» أي عظم، ولذا أنزل الله تعالى التوراة، والإنجيل، والزبور، وسائر ما أوحاه على أنبيائه مسورة مترجمة السور، وبوب المصنفون في كل فن من كتبهم أبوابا موشحة الصدور بالتراجم. انتهى.

نسفي بتصرف. {مِثْلِهِ:} انظر الآية رقم [١٧]. {شُهَداءَكُمْ:} جمع شهيد، وهو بمعنى الحاضر، أو القائم بالشهادة، أو الناصر والمعين. {دُونِ:} من الدنو، وهو القرب، ومثله أدنى وانظر الآية [١٦] ومنه: تدوين الكتب لأنه إدناء، أي تقريب البعض من البعض، ثم استعير للترب، فيقال: زيد دون عمرو، أي في الشرف والسيادة، ثم اتسع فيهما فاستعملا في كل تجاوز حد، إلى حد، هذا ويأتي دون بمعنى قدام، قال الشاعر: [الطويل]

تريك القذى من دونها وهي دونه... إذا ذاقها من ذاقها يتمطّق

تنبيه: قال تعالى في هذه الآية: {مِمّا نَزَّلْنا} وقال في كثير من الآيات: {أَنْزَلْنا؛} لأن الأول يفيد: أن القرآن نزل مفرقا في ثلاث وعشرين سنة على حسب الوقائع، ومقتضيات

<<  <  ج: ص:  >  >>