قال الخازن رحمه الله تعالى: نزلت في مهجع، وبلال، وصهيب، وسالم، وخباب، كانوا يسألون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الأحايين ما يحتاجون إليه، ولا يجد، فيعرض عنهم حياء منهم، ويمسك عن القول، ومعنى:{اِبْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها:} توقع مال، وانتظار رزق من الله يأتيك به. وانظر شرح «القول» في الآية [١٦].
الإعراب:{وَإِمّا:} هي (إن) الشرطية مدغمة في (لا) الزائدة. {تُعْرِضَنَّ:} مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة في محل جزم فعل الشرط، والنون حرف لا محل له، والفاعل مستتر تقديره:«أنت». {عَنْهُمُ:} متعلقان به. {اِبْتِغاءَ:} مفعول لأجله، وهو مضاف، و {رَحْمَةٍ:}
مضاف إليه، من إضافة المصدر لمفعوله، وفاعله محذوف. {مِنْ رَبِّكَ:} متعلقان ب: {رَحْمَةٍ،} أو بمحذوف صفة له، وأجيز تعليقهما بالفعل بعدهما، والكاف في محل جر بالإضافة من إضافة اسم الفاعل لمفعوله، وفاعله مستتر فيه. {تَرْجُوها:} مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الواو للثقل، والفاعل مستتر تقديره:«أنت»، وها: مفعول به، والجملة الفعلية في محل نصب حال من الفاعل المستتر، والرابط: الضمير فقط، وأجيز اعتبارها صفة ل:{رَحْمَةٍ} والجملة الفعلية: {تُعْرِضَنَّ..}. إلخ لا محل لها؛ لأنها ابتدائية، ويقال: لأنها جملة شرط غير ظرفي.
{فَقُلْ:} الفاء: واقعة في جواب الشرط. (قل): أمر، وفاعله: أنت. {لَهُمْ:} متعلقان به.
{قَوْلاً:} مفعول مطلق. {مَيْسُوراً:} صفة، وجملة:{فَقُلْ..}. إلخ في محل جزم جواب الشرط عند الجمهور، والدسوقي يقول: لا محل لها، و (إن) ومدخولها كلام مستأنف، لا محل له.
الشرح: في الآية الكريمة مجاز عبر به سبحانه عن البخيل الذي لا يقدر من قلبه على إخراج شيء من ماله، فضرب له مثل الغل الذي يمنع من التصرف باليد، كما ضرب بسط اليد مثلا لذهاب المال، فإن قبض اليد بحبس ما فيها، وبسطها يذهب ما فيها، وهذا خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وفيه تعليم لأمته إلى يوم القيامة.
فعن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-قال:(أتى صبيّ إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا رسول الله إنّ أمي تستكسيك درعا، ولم يكن له إلاّ قميصه، فقال للصّبيّ:«من ساعة إلى ساعة يظهر كذا، فعد إلينا وقتا آخر». فعاد إلى أمّه، فقالت له: قل له: إنّ أمي تستكسيك الدّرع الذي عليك، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم داره، ونزع قميصه، وأعطاه، وقعد عريانا، فأذّن بلال بالصلاة، وانتظره، فلم يخرج، فشغل قلوب أصحابه، فدخل عليه بعضهم، فرآه عريانا، فأنزل الله عز وجل هذه الآية). انتهى. خازن.
وفي صحيح البخاري، ومسلم عن أبي هريرة-رضي الله عنه-. قال: ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل البخيل والمتصدق، كمثل رجلين عليهما جبّتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديّهما