للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنْ هُمْ إِلاّ كَالْأَنْعامِ:} في عدم الانتفاع بقرع الآيات آذانهم، وعدم تدبرهم فيما شاهدوا من الدلائل، والمعجزات. {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً:} من الأنعام؛ لأنها تنقاد لمن يتعهدها، وتميز من يحسن إليها ممن يسيء إليها، وتطلب ما ينفعها، وتتجنب ما يضرها، وهؤلاء لا ينقادون لربهم، ولا يفرقون بين إحسانه وإساءة الشيطان، ولا يطلبون الثواب الذي هو أعظم المنافع، ولا يتقون العقاب الذي هو أشد المضار؛ ولأنها إن لم تعتقد حقا، ولم تكتسب خيرا؛ لم تعتقد باطلا، ولم تكتسب شرا، بخلاف هؤلاء؛ ولأن جهالتها لا تضر بأحد، وجهالة هؤلاء تؤدي إلى تهييج الفتن، وصد الناس عن الحق؛ ولأنها غير متمكنة من طلب الكمال، فلا تقصير منها ولا ذم، وهؤلاء مقصرون مستحقون أعظم العقاب على تقصيرهم. انتهى. بيضاوي بتصرف بسيط. هذا؛ وانظر الآية رقم [١٧٩] من سورة (الأعراف).

الإعراب: {أَمْ:} حرف عطف، وهي بمعنى بل التي للإضراب كما رأيت في الشرح.

{تَحْسَبُ:} فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: «أنت». {أَنَّ:} حرف مشبه بالفعل. {أَكْثَرَهُمْ:} اسم {أَنَّ،} والهاء في محل جر بالإضافة. {يَسْمَعُونَ:} فعل مضارع مرفوع، والواو فاعله، ومفعوله محذوف، والجملة الفعلية في محل رفع خبر: {أَنَّ،} وجملة:

{يَعْقِلُونَ} معطوفة عليها، فهي في محل رفع مثلها، و {أَنَّ} واسمها، وخبرها في تأويل مصدر في محل نصب سد مسد مفعولي الفعل {تَحْسَبُ،} والجملة الفعلية مستأنفة، لا محل لها. {أَنَّ:}

حرف نفي بمعنى «ما». {أَكْثَرَهُمْ:} ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. {إِلاّ:} حرف حصر. {كَالْأَنْعامِ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة، لا محل لها، وجملة: {هُمْ أَضَلُّ} معطوفة عليها لا محل لها مثلها. {سَبِيلاً:} تمييز.

{أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً (٤٥)}

الشرح: {أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ} أي: ألم تنظر إلى صنعه سبحانه وتعالى. {كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} أي: بسطه، فعم الأرض، وذلك من حين طلوع الفجر إلى وقت طلوع الشمس في قول الجمهور؛ لأنه ظل ممدود لا شمس معه، ولا ظلمة شديدة، وهو أطيب الأحوال؛ لأن الظلمة الشديدة تنفر الطبع، وتمنع النظر، وشعاع الشمس يسخن الجو، ويبهر البصر، ولذلك وصف به الجنة، فقال جل شأنه: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}. {وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً:} أي دائما ثابتا لا يزول، ولا يذهب بالشمس، قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: يريد إلى يوم القيامة، وقيل: المعنى لو شاء لمنع الشمس الطلوع؛ أي: ولكنه لم يشأ ذلك. {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً} أي: جعلنا الشمس بنسخها الظل عند مجيئها دالة على أن الظل شيء؛ لأن الأشياء تعرف بأضدادها، فلولا الشمس ما عرف الظل، ولولا النور ما عرفت الظلمة، والأشياء تعرف بأضدادها، والدليل هنا

<<  <  ج: ص:  >  >>