الكلام استعارة تصريحيّة تبعيّة، وقد تستعمل بالشرّ، وبما يسوء على سبيل التهكم، والاستهزاء، كما في هذه الآية، وكثير غيرها. ثمّ إنّ الغالب في الشرّ أن يستعمل مقيدا منصوصا على المبشّر به على سبيل التهكّم، كما ذكرت، قال تعالى في سورة (النحل) رقم [٥٨]: {وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى}. وهذا التهكّم كثير في الشعر العربيّ، ومنه قول أبي الشّعراء الضبّي:[الطويل]
وكنّا إذا الجبّار بالجيش ضافنا... جعلنا القنا والمرهفات له نزلا
وأيضا قول عمرو بن كلثوم في معلّقته، وهو الشاهد رقم [٤٨] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الوافر]
نزلتم منزل الأضياف منّا... فعجّلنا القرى أن تشتمونا
الإعراب:{بَشِّرِ:} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره: أنت. {الْمُنافِقِينَ:} مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الياء نيابة عن الفتحة؛ لأنّه جمع مذكر سالم، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد، والجملة الفعلية مبتدأة، أو مستأنفة لا محلّ لها على الاعتبارين. {بِأَنَّ:}
الباء: حرف جر. (أنّ): حرف مشبه بالفعل. {لَهُمْ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر:
(أنّ) مقدّم. {عَذاباً:} اسمها مؤخر. {أَلِيماً:} صفة له، والمصدر المؤوّل من (أنّ) واسمها، وخبرها في محل جر بالباء، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل قبلهما، التقدير: بشر المنافقين بالعذاب الأليم.
الشرح:{الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ:} هم المنافقون اتّخذوا اليهود الذين كانوا يساكنون المسلمين في المدينة أنصارا، وأعوانا. {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ:} فكانوا يلوذون بهم، ويؤمّلون منهم المنعة، والنّصرة، ويقولون: لا يتم أمر محمد. هذا هو كلام ابن أبيّ ابن سلول، ومن معه من المنافقين؛ الّذين حالفوا بني قينقاع من اليهود. انظر سورة (المائدة) رقم [٥٢] وما بعدها، فإنّه جيد، بحمد الله!.
{أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ:} يطلبون عندهم القوّة، والمنعة، فإنّ العزّة لله جميعا: يعزّ بها، ويكرم بها عباده المؤمنين، كما قال تعالى في سورة (فاطر) رقم [١١]: {مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً،} وقال في سورة (المنافقون): {وَلِلّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}. والمقصود من هذا: التهييج على طلب العزّة، والقوة من جناب الله، والإقبال على عبوديته، والانتظام في جملة عباده؛ الّذين لهم النّصرة في الحياة الدّنيا، ويوم يقوم الأشهاد.