للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٦٥)}

الشرح: {خالِدِينَ فِيها} أي: في السعير، وأنث الضمير؛ لأن السعير بمعنى: النار. {لا يَجِدُونَ وَلِيًّا:} يحفظهم من عذاب السعير. {وَلا نَصِيراً:} يدفع عنهم العذاب. وفي الآية الكريمة رد على مذهب الجهمية الذين يزعمون: أن الجنة، والنار تفنيان. ومعنى: {خالِدِينَ} مقيمين، لا يخرجون منها. والأبد: الزمان الطويل الذي ليس له حد، فإذا قلت: لا أكلمك؛ أبدا، فالأبد من وقت التكلم إلى آخر العمر.

تنبيه: قال الإمام الرازي-رحمه الله تعالى-: قال قوم: إن عذاب الله للكافرين منقطع وله نهاية، واستدلوا بقوله تعالى: {لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً،} وبأن معصية الظالم متناهية، فالعقاب عليها بما لا يتناهى ظلم. والجواب: أن قوله تعالى: {أَحْقاباً} لا يقتضي: أن له نهاية؛ لأن العرب يعبرون به، وبنحوه عن الدوام، ولا ظلم في ذلك؛ لأن الكافر كان عازما على الكفر ما دام حيا، فعوقب دائما، ولم يعاقب بالدائم إلا على دائم، فلم يكن عذابه إلا جزاء وفاقا. انتهى. جمل. في سورة (هود) [١٠٨].

الإعراب: {خالِدِينَ:} حال مقدرة من الكافرين منصوب... إلخ، وفاعله مستتر فيه.

{فِيها:} متعلقان به. {أَبَداً:} ظرف زمان متعلق ب‍: {خالِدِينَ} أيضا. {لا:} نافية.

{يَجِدُونَ:} فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه ثبوت النون؛ لأنه من الأفعال الخمسة، والواو فاعله. {وَلِيًّا:} مفعول به. {وَلا:} الواو: حرف عطف. (لا): نافية، أو هي صلة لتأكيد النفي. {نَصِيراً:} معطوف على ما قبله، والجملة الفعلية في محل نصب حال ثانية من الكافرين، أو هي حال من الضمير المستتر ب‍: {خالِدِينَ،} فتكون حالا متداخلة. هذا؛ والحال بالنسبة للزمان على ثلاثة أقسام: حال مقارنة، وهي الغالبة، نحو قوله تعالى حكاية عن قول امرأة إبراهيم-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام-: {وَهذا بَعْلِي شَيْخاً}. وحال مقدرة، وهي المستقبلة، نحو قوله تعالى: {فَادْخُلُوها خالِدِينَ}. وحال محكية، وهي الماضية، نحو جاء زيد أمس راكبا. وهناك الحال الموطئة، وهي التي تذكر توطئة للصفة بعدها، بمعنى أن المقصود الصفة، وهذا كثير في القرآن الكريم، خذ منه قوله تعالى: {وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ آياتٍ بَيِّناتٍ}.

والحال تنقسم إلى قسمين: إما مؤسسة، وإما مؤكدة، فالأولى: هي التي لا يستفاد معناها بدونها، نحو جاء زيد راكبا، وأكثر ما تأتي الحال من هذا النوع، والمؤكدة هي التي يستفاد معناها بدونها، وإنما يؤتى بها للتوكيد، وهي ثلاثة أنواع:

١ - ما يؤتى بها لتوكيد عاملها، وهي التي توافقه معنى فقط، أو معنى، ولفظا، فالأول: نحو قوله تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها}. ومنه قوله تعالى في كثير من الآيات: {وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}. والثاني: نحو قوله تعالى: {وَأَرْسَلْناكَ لِلنّاسِ رَسُولاً}.

<<  <  ج: ص:  >  >>