على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجرّ الزائد. هذا؛ وهناك من يجيز اعتبار {أَنْصارٍ} فاعلا بالجار والمجرور قبله لاعتماده على النفي، ولم يذكر تعليق الجار والمجرور، فهما متعلقان بفعل محذوف، تقديره: وما يوجد للظالمين أنصار. هذا؛ وإن اعتبرت ({ما}) نافية حجازية تعمل عمل ليس، فالجار والمجرور متعلقان بمحذوف في محل نصب خبرها مقدّما، و {أَنْصارٍ} اسمها مؤخر، وعلى الوجهين فالجملة اسمية، وهي في محلّ نصب حال من الضمير الواقع مفعولا به، والرابط: الواو فقط، أو هي مستأنفة، أو معترضة اعتراضا تذييليّا في آخر الكلام، لا محلّ لها على الوجهين.
الشرح:{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ} أي: تجهروا بها، وتظهروها، والصّدقة: ما يخرجه المسلم من ماله على وجه القربة، فيدخل فيه الزّكاة الواجبة، وصدقة التطوّع. {فَنِعِمّا هِيَ} أي: فنعمت الخصلة هي، فهذا ثناء على الجهر بها، وإظهارها. {وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ:} فهذا حكم على أنّ الإخفاء خير من الجهر بها، ولذلك قال بعض الحكماء: إذا اصطنعت المعروف؛ فاستره، وإذا اصطنع إليكم فانشروه. قال دعبل الخزاعي في ممدوحيه:[المتقارب]
إذا انتقموا أعلنوا أمرهم... وإن أنعموا أنعموا باكتتام
وقال سهل بن هارون:[البسيط]
خلّ إذا جئته يوما لتسأله... أعطاك ما ملكت كفّاه واعتذرا
يخفي صنائعه، والله يظهرها... إنّ الجميل إذا أخفيته ظهرا
وقال العبّاس عم النبي صلّى الله عليه وسلّم-رضي الله عنه-: لا يتمّ المعروف إلا بثلاث خصال: تعجيله، وتصغيره، وستره، فإذا عجّلته؛ هنيته، وإذا صغّرته؛ عظّمته، وإذا سترته؛ أتممته، وقال بعض الشعراء، فأحسن:[الرمل]
زاد معروفك عندي عظما... أنّه عندك مستور حقير
تتناساه كأن لم تأته... وهو عند النّاس مشهور خطير
قال ابن عباس-رضي الله عنهما-: جعل الله صدقة السرّ في التطوّع تفضل علانيتها، يقال:
بسبعين ضعفا، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرّها، يقال: بخمسة وعشرين ضعفا، قال: وكذلك جميع الفرائض، والنّوافل في الأشياء كلّها، أي: في الصّلاة، والصّوم، وغيرهما.