للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{حَسَنَةً} كان صفة له، فلما قدم عليه صار حالا... إلخ. {وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً:} معطوف على ما قبله عطف مفردات، أو هو على تقدير فعل محذوف، فيحصل جملة تعطف على ما قبلها. ({قِنا}): فعل دعاء مبني على حذف حرف العلة من آخره، هو الياء، والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل مستتر تقديره: أنت. و (نا) مفعول به أول. {عَذابَ:} مفعول به ثان، وهو مضاف، و {النّارِ} مضاف إليه، وجملة: {وَقِنا..}. إلخ معطوفة على ما قبلها، فهي في محل نصب مقول القول مثلها.

{أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٢٠٢)}

الشرح: {أُولئِكَ:} الإشارة إلى الفريقين المذكورين، فللمؤمن الصّالح ثواب علمه، ودعائه، وللكافر، والفاجر، والفاسق عقاب سوء عمله، وقصر نظره إلى الدّنيا. وهو مثل قوله تعالى في سورة (الأنعام) رقم [١٣٢]: {وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا}. وقيل: يرجع إلى الفريق الثاني فقط، والأول أولى. {لَهُمْ نَصِيبٌ:} حظّ من الخير، أو من الشرّ. {مِمّا كَسَبُوا:} أي:

من جنس ما عملوا، إن خيرا؛ فخير، وإن شرّا؛ فشر، فالفريق الأول يستحق النار، وما فيها من المقت، والنّكال، والفريق الثاني يستحق الجنّة، وما فيها من النّعيم المقيم؛ الذي لا يزول.

{وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ:} لا يحتاج إلى عدّ، ولا إلى عقد، ولا إلى إعمال فكر كما يفعله الحسّاب، ولهذا قال تعالى في سورة (الأنبياء): {وَكَفى بِنا حاسِبِينَ} وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في دعائه يوم الخندق: «اللهمّ منزّل الكتاب، سريع الحساب... إلخ» والمعنى: أنه تعالى لا يشغله شأن عن شأن. فكما يرزقهم في ساعة واحدة؛ يحاسبهم لذلك في ساعة واحدة، قال تعالى:

{ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} رقم [٢٨] من سورة (لقمان)، وقيل للإمام علي-رضي الله عنه-: كيف يحاسب الله العباد في يوم؟ قال: كما يرزقهم في يوم. وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-: إذا أخذ في حسابهم؛ لم يقل أهل الجنة إلا فيها، ولم يقل أهل النار إلا فيها. هذا؛ ويقيل: من القيلولة، وهي الاستراحة وقت الظهيرة، ومعنى الحساب، وفائدته تعريف الله العباد مقادير الجزاء على أعمالهم، وتذكيره إيّاهم بما قد نسوه؛ بدليل قوله تعالى في سورة (المجادلة): {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ}.

هذا؛ وقال ابن عباس-رضي الله عنهما-في تفسير قوله تعالى: {أُولئِكَ لَهُمْ..}. إلخ: هو الرّجل يأخذ مالا يحجّ به عن غيره، فيكون له ثواب. وروي عنه في هذه الآية: أن رجلا قال:

يا رسول الله! مات أبي، ولم يحجّ، أفأحجّ عنه؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لو كان على أبيك دين، فقضيته، أما كان ذلك يجزي؟» قال: نعم، قال: «فدين الله أحقّ أن يقضى». قال: فهل لي من أجر؟ فأنزل الله تعالى: {أُولئِكَ..}. إلخ، يعني: من حجّ عن ميّت؛ كان الأجر بينه، وبين الميّت.

والله أعلم بمراده، وأسرار كتابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>