للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (٤٣)}

الشرح: قال الخازن-رحمه الله تعالى-قالوا: فلما انقضت سبع سنين، وهذه السبع سوى الخمس سنين التي كانت قبل ذلك، ودنا فرج يوسف عليه السّلام، وأراد الله عز وجل إخراجه من السجن رأى ملك مصر الأكبر، رؤيا عجيبة هالته، وذلك أن رأى في منامه سبع بقرات سمان قد خرجن من البحر، ثم خرج عقيبهن سبع بقرات عجاف في غاية الهزال، فابتلع العجاف السمان، ودخلن في بطونهن، ولم ير منهن شيء، ولم يتبين على العجاف منها شيء، ورأى سبع سنبلات خضر قد انعقد حبها، وسبع سنبلات أخر يابسات قد استحصدت، فالتوت اليابسات على الخضر حتى علون عليهن، ولم يبق من خضرتها شيء، فجمع السحرة والكهنة والمعبرين، وقص عليهم رؤياه التي رآها، فذلك قوله تعالى: {وَقالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرى..}. إلخ. {يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ} أي: يا أيها الأشراف والكبراء والعظماء فسروا لي رؤياي واشرحوها لي. {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ} أي: إن كنتم تحسنون علم تعبير الرؤيا وتأويلها.

هذا؛ وجمع (الرؤيا) رؤى، وسمي هذا العلم تعبيرا؛ لأن المفسر للرؤيا عابر من ظاهرها إلى باطنها ليستخرج معناها، وفي القرطبي: العبارة: مشتقة من عبور النهر، بمعنى عبرت النهر، وبلغت شاطئه، فعابر الرؤيا يعبر بما يؤول إليه أمرها، هذا؛ وانظر شرح {الْمَلَأُ} في الآية رقم [٢٧] من سورة (هود)، وشرح {أَرى} في الآية نفسها، وإعلال (كنت) في الآية رقم [٢٨] منها. {وَأُخَرَ}: جمع: أخرى التي هي تأنيث آخر. {بَقَراتٍ}: جمع بقرة، وهي تقع على الذكر والأنثى نحو حمامة، ولا صفة تميز الذكر من الأنثى، تقول: بقرة ذكر وبقرة أنثى، وقيل:

بقرة اسم للأنثى خاصة من هذا الجنس، والذكر الثور، نحو: ناقة وجمل، وأتان وحمار، وسمي هذا الجنس بذلك؛ لأنه يبقر الأرض، أي: يشقها بالحرث، ومنه بقر بطنه، هذا؛ وأهل اليمن يسمون البقرة: باقورة، وكتب النبي صلّى الله عليه وسلّم في كتاب الصدقة لأهل اليمن: «في ثلاثين باقورة بقرة». انتهى. مختار الصحاح. والباقر: جماعة البقر مع رعاتها، والتبقر: التوسع في العلم، ومنه محمد الباقر لتبقره في العلم، أي: لتبحره وتعمقه فيه.

تنبيه: لقد ذكرت لك في الآية رقم [٦٤] من سورة (يونس): أن البشرى في الحياة الدنيا فسرت بالرؤيا الصالحة يراها المؤمن، أو ترى له، وذكرت هناك حديثين عن النبي صلّى الله عليه وسلّم انظرهما، وأضيف هنا ما قاله القرطبي رحمه الله تعالى: إن قيل: إذا كانت الرؤيا الصادقة جزءا من النبوة؛ فكيف يكون الكافر والكاذب، والمخلط أهلا لها، وقد وقعت من بعض الكفار، وغيرهم ممن لا يرضى دينه منامات صحيحة صادقة، كمنام رؤيا الملك الذي رأى سبع بقرات، ومنام الفتيين في السجن،

<<  <  ج: ص:  >  >>