للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاعله. {ضَعِيفاً:} حال من: {الْإِنْسانُ}. وقيل: تمييز، والأوّل أقوى، والجملة الفعلية في محل نصب حال من كاف الخطاب، والرابط: الضمير فقط، وقبلها «قد» مقدرة؛ لتقرّب الماضي من الحال.

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩)}

الشرح: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ:} نادى الله عباده المؤمنين في هذه الآية بأكرم وصف، وألطف عبارة؛ أي: يا من صدّقتم بالله، ورسوله، وتحلّيتم بالإيمان الّذي هو زينة الإنسان. وقد خاطب الله عباده المؤمنين بهذا النداء في ثمانية وعشرين موضعا من القرآن، وهذا ثاني نداء في هذه السّورة، وخطاب خوطب به المؤمنون بالنداء الدالّ على الإقبال عليهم، ونداء المخاطبين باسم المؤمنين يذكرهم: أن الإيمان يقتضي من صاحبه أن يتلقّى أوامر الله، ونواهيه بحسن الطّاعة، والامتثال. وإنّما خصّهم الله بالنداء؛ لأنّهم هم المستجيبون لأمره، المنتهون عمّا نهى عنه؛ إذ الغالب أن يتبع هذا النداء بأمر، أو بنهي.

{لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ:} فقد أضاف الله الأموال إلى المخاطبين، والمراد أموال غيركم. فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وفيه منتهى الزّجر؛ لأنّ الإنسان الكامل يجب عليه أن يحافظ على مال غيره، كما يحافظ على ماله من الضّياع، والهلاك، وهذا من قبيل التعاون الذي حثّ عليه ربّنا، جلّ وعلا، ونبينا صلّى الله عليه وسلّم ذكر مثل ذلك في خطبة الوداع في حجّة الوداع، فقال: «إنّ دماءكم، وأموالكم حرام عليكم... إلخ».

{بِالْباطِلِ:} بما لم يبحه الشّرع الشّريف، والدّين الحنيف، وهو يعمّ كلّ مال أخذ بدون وجه شرعيّ، وأبوابه كثيرة متفرّعة، ومتنوعة، أذكر منها على سبيل المثال ما أشاع الفساد، والضّلال: الرّبا بآثامه، وشروره، واستغلال النفوذ بأنواعه، وفجوره، والرّشوة بأنواعها، واحتكار البضائع لبيعها بثمن أعلى، وخزنها، وتصريفها بثمن أغلى، والذين يأخذون معاشاتهم، ولا يؤدّون أعمالهم، ويقبضون أجورهم، ويتهرّبون من واجباتهم، والّذين يسرقون، ويخونون، ويغشّون، ويختلسون. ويدخل في ذلك: القمار، والخداع، والغصب، وجحد الحقوق، وما لا تطيب به نفس مالكه، كما يؤخذ بالحياء؛ إذ ما أخذ بالحياء؛ فهو حرام، أو حرّمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه، مثل حلوان الكهّان، والمنجّمين، والمشعوذين، وأثمان الخمور، والخنازير، وأثمان الملاهي الشّاغلة عن ذكر الله تعالى، وربحها، بل وتجارتها حرام، والغبن الفاحش في البيع والشراء، وأفحش ذلك أكل مال اليتيم بغير حقّ، كما رأيته في الآية رقم [١٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>