{مِنْ بَعْدِ ذلِكَ} أي: من بعد البرهان، وهو أخذ الميثاق، ورفع الجبل. {فَلَوْلا فَضْلُ اللهِ..}. إلخ: فضله: قبول التّوبة، و ({رَحْمَتُهُ}): عفوه. والأصل في الفضل: الزيادة على ما وجب، والزيادة في الخير، والإفضال: الإحسان. {لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ} في الدّنيا، والآخرة.
وانظر «الخسران» فيما تقدّم.
الإعراب: {ثُمَّ:} حرف عطف. {تَوَلَّيْتُمْ:} فعل، وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على جملة: ({أَخَذْنا..}.) إلخ، فهي في محل جر مثلها. {مِنْ بَعْدِ:} متعلقان بما قبلهما، و {بَعْدِ} مضاف، و {ذلِكَ} اسم إشارة مبني على السكون في محل جرّ بالإضافة، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، لا محل له. {فَلَوْلا:} الفاء: حرف استئناف. (لولا): حرف امتناع لوجود.
{فَضْلُ:} مبتدأ، وهو مضاف، و {اللهِ:} مضاف إليه، من إضافة المصدر لفاعله.
{عَلَيْكُمْ:} جار ومجرور متعلقان بالمصدر {فَضْلُ،} وخبر المبتدأ محذوف، تقديره:
موجود. ({رَحْمَتُهُ}): معطوفة على ما قبله، والهاء في محل جر بالإضافة، من إضافة المصدر لفاعله. {لَكُنْتُمْ:} اللام: واقعة في جواب (لولا). (كنتم): فعل ماض ناقص مبني على السكون، والتاء اسمه. {مِنَ الْخاسِرِينَ:} متعلقان بمحذوف خبر (كنتم) والجملة الفعلية جواب (لولا) لا محل لها، و (لولا) ومدخولها كلام مستأنف لا محل له.
تنبيه: قال ابن مالك-رحمه الله تعالى في ألفيته-: [الرجز]
وبعد لولا غالبا حذف الخبر
وقد بينت متى يكون الحذف واجبا، وجائزا، إذا كان كونا عامّا، أو خاصّا، وذلك في قول أبي العلاء المعري، وهو الشاهد رقم [٤٩٥] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»، فانظره هناك، وانظر موجز القول في لولا أيضا إن كنت من أهل الشهادات العالية، وهو ما يلي: [الوافر]
يذيب الرّعب منه كلّ عضب... فلولا الغمد يمسكه لسالا
{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اِعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥)}
الشرح: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ:} أي عرفتم، فيتعدّى لواحد فقط إذا كان من المعرفة، بخلافه من العلم اليقيني، فإنّه يتعدّى لمفعولين، أصلهما مبتدأ، وخبر، قال ابن مالك رحمه الله تعالى في ألفيته: [الرجز]
لعلم عرفان وظنّ تهمه... تعدية لواحد ملتزمه
والفرق بينهما: أن المعرفة تستدعي سبق جهل، وأنّ متعلقها الذوات دون النّسب، بخلاف العلم؛ فإنّ متعلقه المعاني، والنّسب، وتفصيل ذلك: أنك إذا قلت: عرفت زيدا، فالمعنى: أنك