للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرفت ذاته، ولم ترد أنك عرفت وصفا من أوصافه، فإذا أردت هذا المعنى، لم يتجاوز مفعولا؛ لأنّ المعرفة تناول الشيء نفسه، ولم يقصد إلى غير ذلك، وإذا قلت: علمت زيدا قائما، لم يكن المقصود: أنّ العلم تناول نفس زيد فحسب، وإنّما المعنى: أن العلم تناول كون زيد موصوفا بهذه الصّفة.

{اِعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ:} تجاوزوا الحدّ الذي حدّه الله لهم في يوم السبت، وهو أحد أيام الأسبوع المعروفة. قال ابن عطية: والسبت إما مأخوذ من السبوت الذي هو الرّاحة، والدّعة، وإما من السبت وهو القطع؛ لأن الأشياء سبتت، وتمّ خلقها في أيام الأسبوع الستّة قبله. انتهى بتصرف. هذا والسّبت بكسر السين: الجلد المدبوغ بالقرظ، ولم ينجرد من شعره. وقال أبو زيد: السّبت جلود البقر خاصّة مدبوغة، قال عنترة في معلّقته، وهو الشاهد رقم [٣٠٦] من كتابنا: «فتح القريب المجيب»: [الكامل]

بطل كأنّ ثيابه في سرحة... يحذى نعال السّبت ليس بتوأم

{فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا..}. إلخ: هذا الأمر معناه: الإهانة، والتّحقير، وقال بعضهم: هذا أمر تسخير، وتكوين، فهو عبارة عن تعلق القدرة بنقلهم من حقيقة البشرية إلى حقيقة القردة.

{خاسِئِينَ:} صاغرين، ذليلين، حقيرين، مبعدين من رحمة الله. هذا؛ وقرئ: («قردة») بفتح القاف، وكسر الراء، و («خاسين») بدون همز.

تنبيه: ما ذكر في هذه الآية كان في زمن داود-على نبينا، وعليه ألف صلاة، وألف سلام- بقرية يقال لها: أيلة على شاطئ البحر الأحمر، وتدعى اليوم: «إيلات» وهي مرفأ هام لليهود على البحر الأحمر، يروى: أنّ الله تعالى اختار لهم يوم الجمعة، ليكون يوم راحة، وعبادة، ونظافة، وغير ذلك، فأبوا، وقالوا: فرغ ربّنا من خلق السموات والأرض يوم الجمعة، واستراح يوم السبت، فنحن نختاره لذلك، فشدّد الله عليهم بأن حرّم عليهم أي عمل دنيوي ما عدا العبادة، والنظافة، وأمثالها، وكانت معيشة أهل تلك البلدة من صيد الأسماك، لا مورد لهم غيره، فابتلاهم الله، أي: اختبرهم، فما كان يبقى حوت في البحر إلا أخرج خرطومه يوم السّبت، وأقبل نحوهم، فإذا مضى يوم السبت؛ ذهبت الحيتان في أعماق البحر، فلم يتمكّنوا من الصيد طوال أيام الأسبوع، كما قال تعالى في سورة (الأعراف) رقم [١٦٣]: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ}.

فظهر لهم الشّيطان، وقال لهم: احفروا حياضا قرب البحر، وافتحوا جداول بينها وبين البحر، وكانت الحيتان تدخل الحياض يوم السبت، ويصطادونها يوم الأحد، فنهاهم نبيهم عن فعلهم هذا، فصاروا ثلاث فرق، وكانوا سبعين ألفا، فرقة أمسكت، ونهت، وفرقة أمسكت، ولم

<<  <  ج: ص:  >  >>