الإعراب: {فَأَمّا:} الفاء: حرف استئناف. (أما) أداة شرط، وتفصيل، وتوكيد، أما كونها أداة شرط؛ لأنها قائمة مقام أداة الشرط وفعله، بدليل لزوم الفاء بعدها؛ إذ الأصل: مهما يك من شيء فالذي تاب... إلخ، فأنيبت (أما) مناب: مهما يك من شيء، فصار: أما من
فعسى. وأما كونها أداة تفصيل؛ لأنها في الغالب تكون مسبوقة بكلام مجمل، وهي تفصله، ويعلم ذلك من تتبع مواقعها. وأما كونها أداة توكيد؛ لأنها تحقق الجواب، وتفيد: أنه واقع لا محالة؛ لكونها علقته على أمر متيقن.
{مَنْ:} اسم موصول، أو نكرة موصوفة مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ. {تابَ:}
فعل ماض، والفاعل يعود إلى: {مَنْ،} وهو العائد، أو الرابط، والجملة الفعلية صلة: {مَنْ،} أو صفتها، وجملة: {وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً} معطوفتان عليها. {فَعَسى:} الفاء: واقعة في جواب (أما). (عسى): فعل ماض جامد مبني على فتح مقدر على الألف للتعذر، واسمها ضمير مستتر تقديره: «هو» يعود إلى {مَنْ}. {أَنْ:} حرف مصدري ونصب. {يَكُونَ:} فعل مضارع ناقص، واسمه يعود إلى {مَنْ} أيضا. {مِنَ الْمُفْلِحِينَ:} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر:
{يَكُونَ،} {أَنْ يَكُونَ} في تأويل مصدر في محل نصب خبر (عسى). هذا؛ وإن اعتبرت عسى تامة فالمصدر المؤول يكون في محل رفع فاعلها، ولا ضمير مستتر فيها، قال ابن مالك رحمه الله تعالى في ألفيته: [الرجز] وجرّدن عسى أو ارفع مضمرا... بها إذا اسم قبلها قد ذكرا
وجملة: (عسى...) إلخ في محل رفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية: {فَأَمّا مَنْ..}. إلخ مستأنفة، لا محل لها.
{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ (٦٨)}
الشرح: نزلت الآية الكريمة جوابا للمشركين حين قالوا: ما حكى الله عنهم {لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} يريدون الوليد بن المغيرة، أو عروة بن مسعود الثقفي. وقيل:
هي جواب لليهود؛ إذ قالوا: لو كان الرسول إلى محمد غير جبريل، لآمنا به، والمعنى: وربك يخلق ما يشاء من خلقه، ويختار منهم من يشاء لنبوته. قال يحيى بن سلام، وحكى النقاش: أن المعنى: وربك يخلق ما يشاء من خلقه. يعني: محمدا صلّى الله عليه وسلّم، ويختار الأنصار لدينه.
قال القرطبي-رحمه الله تعالى-: وفي كتاب البزار مرفوعا صحيحا عن جابر-رضي الله عنه-: «إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين، والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعة، يعني: أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليا-رضي الله عنهم أجمعين-، فجعلهم أصحابي، وفي أصحابي كلهم خير، واختار أمتي على الأمم، واختار لي من أمتي أربعة قرون». انتهى.