و {الْخِيَرَةُ} من التخير، كالطيرة من التطير. يستعمل بمعنى المصدر، وهو التخير، وبمعنى المتخير، كقولهم: محمد خيرة الله من خلقه، والمعنى على الأول: إن الخيرة لله تعالى في أفعاله، وهو أعلم بوجوه الحكمة فيها، أي: ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه، كقوله تعالى في سورة (الأحزاب): {وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} وقال محمود الوراق رحمه الله تعالى: [الطويل] توكّل على الرحمن في كلّ حاجة... أردت فإنّ الله يقضي ويقدر
إذا ما يرد ذو العرش أمرا بعبده... يصبه وما للعبد ما يتخيّر
وقد يهلك الإنسان من وجه حذره... وينجو بحمد الله من حيث يحذر
وقال آخر:[البسيط] العبد ذو شجر والرّبّ ذو قدر... والدّهر ذو دول والرّزق مقسوم
والخير أجمع فيما اختار خالقنا... وفي اختيار سواه اللّوم والشّؤم
قال بعض العلماء: لا ينبغي لأحد أن يقدم على أمر من أمور الدنيا حتى يسأل الله الخيرة في ذلك؛ بأن يصلي ركعتين صلاة الاستخارة، يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة:{قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ..}. إلخ وفي الركعة الثانية:{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ..}. إلخ. واختار بعض المشايخ أن يقرأ في الركعة الأولى:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ..}. إلخ، وفي الركعة الثانية: قوله تعالى: {وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ..}. إلخ وكلّ حسن، ثم يدعو بهذا الدعاء بعد السّلام، وهو ما رواه البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-. قال: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن يقول:«إذا همّ أحدكم بالأمر؛ فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثمّ ليقل: اللهمّ إنّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علاّم الغيوب، اللهم إن كنت تعلم: أنّ هذا الأمر خير لي في ديني ودنياي ومعاشي، وعاقبة أمري-أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاقدره لي، ويسّره لي، ثمّ بارك لي فيه، وإن كنت تعلم: أنّ هذا الأمر شرّ لي في ديني، ودنياي، ومعاشي، وعاقبة أمري-أو قال: في عاجل أمري وآجله-. فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثمّ رضّني به. قال: ويسمي حاجته».
وروى أنس-رضي الله عنه-أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له:«يا أنس! إذا هممت بأمر، فاستخر ربّك فيه سبع مرّات، ثمّ انظر إلى ما يسبق إليه قلبك؛ فإنّ الخير فيه». قال العلماء: وينبغي له أن يفرّغ قلبه من جميع الخواطر، حتى لا يكون مائلا إلى أمر من الأمور، فعند ذلك ما يسبق إليه قلبه؛